قال الله سبحانه و تعالى :
{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (30/31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (30/32) }
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (6/159) }
شيعا : أي فرقا و أحزابا .
و بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه " باباً بعنوان :
" باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعةٌ ؟ "
ثم أسند حديثاً عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ الله عَنْهُ ،
يَقُولُ : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ ،
وَ كُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَ شَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ ،
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
قُلْتُ : وَ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ ،
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( نَعَمْ ، وَ فِيهِ دَخَنٌ ) ،
قُلْتُ : وَ مَا دَخَنُهُ ؟ ،
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَ تُنْكِرُ ) ،
قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ ،
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ) ،
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ،
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ) ،
قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ ،
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَ إِمَامَهُمْ ) ،
قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَ لَا إِمَامٌ ؟
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ،
و لَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَ أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ) (1).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال - أي الإمام الطبري - : و في الحديث إنه متى لم يكن للناس إمام , فافترق الناس أحزاباً ,
فلا يتبع أحداً في الفرقة , و يعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية الوقوع في الشر " (2) .
وَروى الحديث التالي جماعة من الصحابة حتى بلغ درجة التواتر ،
نذكر رواية عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحبه وَ سَلَّمَ :
( افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّة وَ سَبْعِينَ فِي النَّارِ
و افْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً
فَإِحْدَى وَ سَبْعِينَ فِي النَّارِ وَ وَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ
وَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً
فَوَاحِدَةٌ فى الجنة وَ ثِنْتَانِ وَ سَبْعُونَ فِي النَّارِ ) ،
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ ؟
قَالَ عليه الصلاة و السلام :
( مَا أَنَا عَلَيْهِ وَ أَصْحَابِي ) .
الجماعة : ذكر الإمام الشاطبي في كتابه العظيم : " الإعتصام " معنى الجماعة في خمسة أقوال :
أحدها : أنها السواد الأعظم ،
الثاني : أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين
( كعلماء المملكة العربية السعودية : الشيخ عبد العزيز بن باز و الشيخ محمد بن صالح العثيمين
و هيئة كبار العلماء و غيرهم ، و علماء اليمن كالشيخ مقبل بن هادي الوادعي ،
و علماء الشام كالشيخ محمد ناصر الدين الألباني و طلابه ، و غيرهم )
الثالث : أن الجماعة هي الصحابة رضي الله عنهم على الخصوص ،
الرابع : أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام ،
و الخامس : ما اختاره الطبري الإمام من أن الجماعة جماعة المسلمين
إذا اجتمعوا على أمير فأمر عليه الصلاة و السلام بلزومه
و نهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه .
(1) ( أخرجه البخاري في كتاب الفتن من " صحيحه " برقم 7084 ) ،
(2) " فتح الباري " ( 13/47 )
(3) أخرجه ابن ماجه ( 2/1322 ، رقم 3992 ) و أخرجه الطبرانى ( 18/70 ، رقم 129 ) .
و أخرجه أيضاً : الطبرانى فى مسند الشاميين ( 2/100 ، رقم 988 ) ،
و ابن أبى عاصم فى السنة ( 1/32 ، رقم 63 ) ،
و اللالكائى فى اعتقاد أهل السنة ( 1/101 ، رقم 149 ) .
و صححه الألباني في صحيح الروض النضير ، الظلال ( 63 ) ،