من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
من مشكاة النبوة
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
)المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . وفي كل خير.
احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز . وإن أصابك شيء
فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ،
ولكن قل : قدر الله ، وما شاء فعل . فإن لو تفتح عمل الشيطان(.
هذا الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- ، ويمثل - بما يتضمنه
من المعاني والدلالات- منهجاً سلوكياً مبنياً على قاعدة اعتقادية واضحة
وراسخة ، هذه القاعدة هي الإيمان بالقدر إيماناً صحيحاً بعيداً عن الاتكالية
التي يهوي فيها كثير من المسلمين نتيجة الفهم الخاطئ لعقيدة القضاء
والقدر ، مما يفتح الطريق لأعداء الإسلام لرميه بكل الصفات المُنَفِّرة ،
ولوصم المسلمين كلهم بأنهم سلبيون واتكاليون وغير جديرين بأخذ زمام
المبادرة في أي شيء ، ولاتخاذ هذه الشبهة فاتحة وخاتمة يفتتحون
ويختتمون بها هجومهم على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة .
يبدأ الحديث بتقرير حقيقة . لا ينبغي أن يعتريها الغموض ، ولا أن يحيط بها
الشك وهي حقيقة التطلع إلى العلو ، والارتفاع عن الضعة والضعف ،
والمجاهدة والمكابدة من أجل التخلص من كل ما يربط الإنسان بالأرض ،
حقيقة القوة .
)المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .
وفي كل خير(
هكذا على الوجه الذي يستغرق كل معاني القوة وكل معاني الخيرية ،
دون استثناء ، فلا يشار في الحديث إلى نوع معين من معاني القوة ،
ولا يحدد لها محتوى محدد تنحصر فيه ، كي لا تنجرف الشخصية إلى
تقديس نوع بعينه من أنواع القوى ، فالمطلوب من المؤمن أن يكون قوياً
في كل شيء ما وسعه ذلك . قوة في البدن ، وقوة في الحق, وهذه القوة
المفضلة المحبوبة من الله ليست غاية بحد ذاتها ، وإنما هي وسيلة لغاية
أسمى ، فالمؤمن القوي أقدر على نشر الحق وتعريف الناس به ، سواء
في قوة حجته أو قوة شخصيته وسلوكه , والقوة التي يشيد بها النبي
صلى الله عليه وسلم- ويجعلها مناط التفضيل هي القوة المنبعثة من الإيمان ،
والمؤسسة على القاعدة التي تعصمها من الشطط والتهور ؛ فتشيع الأمن
في النفوس والاطمئنان في المجتمعات وليست القوة التي تنطلق من عقالها
لتهلك الحرث والنسل ، وتبث الرعب ، وتركب مراكب التدمير لتعبد الناس
لها . وهكذا يحدد الرسول الكريم للمؤمن الغاية والهدف ، ويسلحه بالوسيلة
، ويرسم له مجال العمل : قلب متصل بالله ومتجه إليه ,وجهد إيجابي يتطلع
إلى الأحسن دائماً ، وأعمال تستمد فاعليتها عن تسديد الله لها ، ونفس
راضية تقابل المصاعب بالصبر والثبات ، وسد لكل ذرائع الشيطان التي
يسهل تسلله منها . فلله ما أَسَدَّ هذا الكلام ، وما أسمى هذا التوجيه ،
ولسنا ندري -والله- بأي جانبيه نحن أشد إعجاباً : بوجازته وجمال سبكه ؟
أم بما احتواه من كريم المعنى وجليل المحتوى ؟ ! فصلى الله وسلم
على قائله ، وجمعنا به ، وسقانا من حوضه .
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين