الأخ / الصبر ضياء - الفرج قريب
فقر القلب
قال فضيلة الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول :
عن أبي ذر رضي الله عنه قال :
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
( يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى ؟
قلت : نعم يا رسول الله .
قال : فترى قلة المال هو الفقر ؟
قلت : نعم يا رسول الله .
قال : إنما الغنى غنى القلب ، و الفقر فقر القلب )
وفقر القلب : خلوه من دوام الافتقار إلى الله في كل حال ،
وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه .
وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب ؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره ،
فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه ،
ويفزع إليه في كشف ضرائه ،
فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى .
وهذا المعنى يرجع إلى الفقر الذي ذكره الله تبارك و تعالى في قوله في
سورة [ فاطر : 15 ] :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ }
وهي مكية .
وفقر النفس يقابله غنى النفس .
ومن رضي بما قسم له فهو من أغنى الناس نفساً .
عن الحسن رضى الله عنه :
عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهم ؟
فقال أبو هريرة : فقلت : أنا يا رسول الله .
فأخذ بيدي فعدَّ خمساً
وقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس ،
وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ،
وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ،
و أحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ،
ولا تكثر الضَّحك فإن كثرة الضحك تميت القلب )
وقال الدارمي رحمه الله :
[ أخبرنا عبد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء قال :
قال موسى : يا رب أي عبادك أحكم ؟
قال : الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه ،
قال : يا رب ، أي عبادك أغنى ؟
قال : أرضاهم بما قسمتُ له .
قال : يا رب أي عبادك أخشى لك ؟
قال : أعلمهم بي ]
و الرسول صلى الله عليه وسلم استعاذ من فقر النفس ، وفقر القلَّة و الذلَّة ،
وسأل الله تعالى المسكنة .
قال ابن حجر رحمه الله :
[ إن قيل ما وجه استعاذته صلى الله عليه وسلم من الفقر ؟
فالجواب : إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب ،
و الذي اختاره و ارتضاه طرح المال ]
وقال ابن عبد البر :
[ الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت و الكفاف ،
ولا يستقر معه في النفس غنى ؛
لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غني النفس ،
وقد قال تعالى :
{ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى }
[ الضحى : 8 ]
ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله ،
وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه ، وكان يستعيذ بالله من فقر منسي ،
وغنى مطغي .وفيه دليل على أن للغنى و الفقر طرفين مذمومين ،
وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى ]
ا.هـ [5] .
الشيخ الدكتور : محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى .
من كتاب :
“أحكام الفقير و المسكين في القرآن العظيم و السنة المطهرة”
من صفحة [165] إلى صفحة [168]