الأخت الزميلة / الزهرة سعد
قصص قصيرة جداً
4 - مريضان
في أحد المستشفيات كان هناك مريضان هرمين في غرفة واحده .
كلاهما معه مرضٌ عضال .
أحدهما كان مسموحاً له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يومياً بعد العصر
ولحسن حظه فقد كان سريره بجانبِ النافذة الوحيدة في الغرفه .
أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت
كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام ، دون أن يرى أحدهما الآخر،
لأن كلاً منهما كان مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف
تحدثا عن أهليهما ، وعن بيتيهما ، وعن حياتهما ، وعن كل شيء .
وفي كل يوم بعد العصر ، كان الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب ،
وينظر في النافذة ، ويصف لصاحبه العالم الخارجي
وكان الآخر ينتظر هذه الساعه كما ينتظرها الأول ،لأنها تجعل حياته
مفعمة بالحيويه وهو يستمع لوصفِ صاحبه للحياة في الخارج :
ففي الحديقة كان هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط .
والأولاد صنعوا زوارق من موادٍ مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء .
وهناك رجل ! يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس يبحرون بها في البحيره .
والنساء قد أدخلت كل منهن ذراعها في ذراع زوجها ،
والجميع يتمشى حول حافةِ البحيرة .
وهناك آخرون جلسوا في ظلالِ الأشجار أو بجانب الزهور
ذات الألوانِ الجذابه .
ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين .
وفيما يقوم الأول بعملية الوصف هذه ينصت الآخر في ذهول
لهذا الوصف الدقيق الرائع .
ثم يغمض عينيه ويبدأ في تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى .
وفي أحد الأيام وصف له عرضاً عسكريا ً.
ورغم أنه لم يسمع عزف الفرقه الموسيقيه إلا أنه كان يراها بعيني
عقله من خلال وصفِ صاحبه لها .
ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه .
وفي أحد الأيام جاءت الممرضه صباحاً لخدمتهما كعادتها ،
فوجدت المريض الذي بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل .
ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلالِ حديث الممرضه عبر الهاتف
وهي تطلب المساعده لإخراجه من الغرفه .
فحزن على صاحبه أشد الحزن .
وعندما وجد الفرصه مناسبه طلب من الممرضه أن تنقل سريره
إلى جانبِ النافذة .
ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه .
ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق الذي كان يتحفه
به صاحبه ا! إنتحب لفقده .
ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته في هذه الساعه .
وتحامل على نفسه وهو يتألم ،ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه ،
ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة
لينظر العالم الخارجي .
وهنا كانت المفاجأة !!.
لم ير أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى ،
فقد كانت النافذة على ساحة داخليه .
نادى الممرضه وسألها إن كانت هذه هي النافذة التي كان
صاحبه ينظر من خلالها ،
فأجابت إنها هي !! فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحده .
ثم سألته عن سبب تعجبه ،
فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له .
كان تعجب الممرضه أكبر ،
إذ قالت له :ولكن المتوفى كان أعمى ، ولم يكن يرى حتى
هذا الجدار الأصم ، ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيده
حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى الموت .
ألست تسعد إذا جعلت الآخرين سعداء؟
إذا جعلت الناس سعداء فستتضاعف سعادتك ، ولكن إذا وزعت
الأسى عليهم فسيزداد حزنك .
إن الناس في الغالب ينسون ما تقول ،وفي الغالب ينسون ما تفعل ،
ولكنهم لن ينسوا أبداً الشعور الذي أصابهم من قِبلك فهل
ستجعلهم يشعرون بالسعادة أم غير ذلك .
وليكن شعارنا جميعا وصية الله التي
وردت في القرآن الكريم:
{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }