عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-23-2013, 01:36 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : التحذير من الإسراف و التبذير


ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:

التحذير من الإسراف و التبذير

والتي تحدَّث فيها عن تقوية الاقتصاد وترشيد الاستِهلاك،
مُحذِّرًا من الإسراف والتبذير، وذكر العديد من الأدلة على تحريمهما،
وبيَّن أن الأمة لتنهَضَ لا بُدَّ من ترقِيَة فِكرِها وإعلاء أهدافِها.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الحمد لله، الحمد لله العليِّ القدير، أبدعَ الخلقَ وأحكمَ التدبير، سبحانه وبحمده
{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
[غافر: 3]
أحمده - سبحانه - وأشكرُه على فضلِه العميم وخيرِه الوَفير،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلكُ وله الحمدُ يُحيِي ويُميت
وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير،
والسراجُ المُنير، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابِه والتابعين،
ومن تبِعَهم بإحسانٍ وعلى طريق الحقِّ يسير، وسلَّم التسليمَ الكثير.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛
فمن اتَّقى الله وقاه، ومن توكَّل عليه كفاه، ومن شكرَه زادَه،
ومن استقرضَه جزاهُ، فاجعَلوا التقوى عِمادَ قلوبِكم، وجلاءَ أبصاركم،
لا عمل لمن لا نيَّة له، ولا أجرَ لمن لا احتِسابَ له،
وظاهرُ العِتاب خيرٌ من مكنون الحِقد، ونُصحُ الناصِح خيرٌ من مُجامَلة الشانِئ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[ الحديد: 28 ].
أيها المسلمون:
لا فضلَ لأمةٍ أن تضعَ على موائِدها ألوانًا من الأطعمة مُختلفات،
ولا أن تمتلِك أصنافًا من المراكِب مُمتطيَات، ولا أن تقتنِيَ ألوانًا من الملابِس مُكتسَيَات؛
وإنما الفضلُ كل الفضلِ - بعد الإيمان بالله وتوحيده - أن يكون لها رجالٌ سليمةٌ أبدانُهم،
مُضيئةٌ أبصارُهم، مضَّاءةٌ عزائِمُهم.
ولا تكونُ أمةٌ قويَّةً بعد الإيمان بالله وتوحيده إلا حين يكونُ اقتصادُها قويًّا،
ولا يكونُ اقتصادُها قويًّا إلا حين يكونُ ما تُوفِّرُه وتُحافظُ عليه أكثرَ مما تصرِفُه
وتستهلِكُه حُكوماتٍ وشعوبًا، وجماعاتٍ وأفرادًا؛
لأن ما تُوفِّرُه الأمةُ وتُحافظُ عليه من قُوتِها وإنتاجِها هو قوةٌ لها ولأجيالِها.
ونبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه - رضوان الله عنهم –
كان طعامُهم في أغلب أيامِهم الأسودَيْن: التمر والماء،
وهم الذين فتَحوا الفُتوحات ومصَّروا الأمصار،
وإدارةُ تموين جيوشِهم لا تُقدِّم لهم في أغلب أيامِهم سوى جِرابٍ من تمرٍ
وقليلٍ من الماء.
نعم - رعاكم الله -؛ تعظُم الأمة دولةً وشعبًا،
وترقَى في سماء العزَّة والمنَعة جماعاتٍ وأفرادًا بِخصالٍ من أكبرها:
الاقتصادُ في الإنفاق، والترشيدُ في الاستِهلاك.
أما الإسرافُ، والتبذيرُ، والإفراطُ في الاستِهلاك فما هو إلا استِسلامٌ للشهوات والملذَّات،
وانقِيادٌ للأهواء والرَّغبَات، من غير مُراعاةٍ للمصالح، ولا تقديرٍ للعواقِب،
ولا حفظٍ للمُروءات، ولا مُراعاةٍ للحُقوق.
الإسرافُ عدوُّ حفظِ الأموال والموارِد، وهو طريقُ الفقر والإفلاس،
حفظُ المال حفظٌ للدين والعِرض والشَّرَف، وقد قالت الحُكماء:
[ من حفِظَ مالَه فقد حفِظَ الأكرَمَيْن: الدينَ والعِرض ]
وخاطبَ حكيمٌ بعضَ أقربائِه قائلاً:
[ لئن تبيتُوا جِياعًا لكم مالُ خيرٌ من أن تبيتُوا شِباعًا لا مالَ لكم ]
وعمرُ الفاروقُ - رضي الله عنه - يقول:
[ الخرَقُ في المعيشة أخوفُ عندي عليكم من العوَز، ولا يقلُّ شيءٌ مع الإصلاح،
ولا يبقَى شيءٌ مع الفساد، وحُسنُ التدبير في المعيشة أفضلُ من نصفِ الكسْبِ ]
معاشر المُسلمين:
ضياعُ الأموال وضعفُ الاقتصاد سببُه الإسرافُ والتبذير والإفراطُ في الاستِهلاك،
وضبطُ اقتِصاد الأمة وحفظُ ثرَواتها لا يتحقَّق إلا حين تُكفُّ أيدي العابِثين
من المُسرِفين والمُفسِدين هيئاتٍ ومُؤسَّساتٍ، وأسرًا وأفرادًا.
عباد الله:
الإسرافُ: مُجاوزةُ القدر، ومُجاوزةُ الحدِّ في الأقوال والأفعال والتصرُّفات.
الإسرافُ: جهلٌ بمقادِر الحقوق، وجهلٌ بمواضِعِها ومواقِعِها.
والإسرافُ: صرفٌ فيما لا ينبَغي، وصرفُ ما ينبغي زائدًا على ما لا ينبغي.
وحين أباحَ لنا دينُنا الطيبات، وامتنَّ علينا ربُّنا بالزينة نهانا عن الإسراف،
فقال - عزَّ شأنُه -:
{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
[ الأعراف: 31 ].
يقول وهبُ بن مُنبِّه:
[ من السَّرَف: أن يلبَسَ الإنسانُ ويأكل ويشرَب مما ليس عنده،
وما جاوزَ الكفافَ فهو تبذير ]
معاشر المسلمين:
تأمَّلوا هذا الحديث:
أضافَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كافرًا، فأمرَ له بشاةٍ فحُلِبَت،
فشرِبَ حِلابَها، ثم أخرى فشرِبَ حِلابَها، حتى شرِبَ حِلابَ سبع شِياه،
ثم أن أصبحَ فأسلمَ، فأمرَ له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم –
بشاةٍ فشرِبَ حِلابَها، ثم أخرى فلم يستتِمَّه.
فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( إن المؤمن ليشرَبُ في معِيٍّ واحد، والكافر يشرَبُ في سبعة أمعاء )
أخرجه مسلم.
يقول الحافظُ ابن رجب - رحمه الله -:
[ إن المؤمن يأكل بأدب الشرع فيأكلُ في معِيٍّ واحدٍ،
والكافرُ يأكل بمُقتضى الشهوة والشَّرَهِ والنَّهَم فيأكلُ في سبعة أمعاءٍ ]
ويقول بعضُ أهل العلم:
[ إن هذا الرجل عندما انتقلَ من ضلال الجاهليَّة إلى نورِ الإسلام،
وعندما عرفَ ربَّه، وتكاليفَ دينه، وحسابَ آخرتِه غلبَه التفكير،
فكان لارتِفاع همَّتِه إلى حياةٍ أرقَى أثرٌ بالغٌ في عُزوفِه عن الاستِزادة مما قُدِّم له ]
تأمَّلوا - رحمكم الله - هذه السبعة الأمعاء وما عليه أهل هذا العصر
حين سادَت المادَّة وحبُّ المادة من السَّرَف الباذِخ والإحصائيَّات الآثِمة في الاستِهلاك،
مما يُلقَى في صناديق القِمامة ومُلقَى النِّفايات،
لا يُستثنَى في ذلك لا دولٌ مُتقدِّمة ولا غيرُ مُتقدِّمة، ولا كُبرى ولا صُغرى.
وكم بين الأغنياء والفُقراء من فجَوات، لم يكن لها سببٌ إلا الإسرافُ والتبذير،
ومنهجُ السبعة الأمعاء.
أهل هذا الوقت يُسمُّون الصَّرف بالاستِهلاك،
والدولُ المُنتِجة تسعَى إلى تسويق إنتاجِها بإغراء الناس
من أهلِهم ومن غير أهلِهم بمزيدٍ من الاستِهلاك، وقد قرَّروا في مبادئِهم الاقتصاديَّة
وقواعِدهم التسويقية ذات السبعة الأمعاء أنهم يَزيدُون في الإنتاج
كلما أسرفَ الناسُ في الصَّرف، وما أقربَ هذا الاستِهلاك من الهلاك.
إن ما يقوم عليه سوقُ التسويق والإغراءُ في الصَّرف يستدعِي
من العُقلاء والحُكومات التدخُّلُ لحماية الجميع،
والإسهامَ في الإرشاد، وترشيد الجميع.
وإن ما يفعله المُفسِدون المُسرِفون في سياسات السبعة الأمعاء من سِباق التسلُّح،
وأسلِحة التدمير، وسياسات إغراق الأسواق، والإسراف في القتل،
والاحتِطاب الجائِر، والرَّعيِ الجائِر، والسَّقْيِ الجائِر، والضغط على الخدمات والمرافق،
كلُّها صورٌ مُخيفةٌ من هذا الإسراف.
ولأمرٍ ما قال - عزَّ شأنُه -:
{ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ }
[الشعراء: 151، 152]
وقال - جل وعلا -:
{ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ }
[الأنبياء: 9]
وقال - سبحانه -:
{ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّار }
[غافر: 43].
نعم، إن من المُلفِت في أبناء هذا العصر: الاستِرسالَ في الإسراف،
فترَى الواجِدَ يُسرِف، والذي لا يجِدُ يقترِضُ من أجل أن يُسرِف،
ويصرِف على ما لا يحتاجُه.


التعديل الأخير تم بواسطة بنت الاسلام ; 06-23-2013 الساعة 01:39 PM
رد مع اقتباس