![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير لنشر و إعادة الأخلاق الإسلامية الحقيقية للأسرة |
![]() |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() حرص كثير من الناس على عدم إسناد المناصب المهمة في المجتمع إلا لمن تجاوزوا الكهولة إلى الشيخوخة ؛ ليستفيدوا من حكمة الشيوخ ، ولأن الشباب يغلب عليهم الطيش والتهور، إلا أن التاريخ لم يعدم نماذج من الشباب فاقوا الشيوخ في الحكمة و تقدير الأمور. و من هؤلاء الشباب الذين تولوا هذه المناصب الرفيعة عن جدارة : عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز, ولعل الجو العمري الذي نشأ فيه عبد الملك يوحي إلينا أن الطاقة الشبابية إذا وجدت الجو المناسب صنعت الأعاجيب ، أما الإهمال والازدراء والتهميش للشباب ، فسيقتل فيهم الرجولة قبل أن تولد ، وكيف توجد مع فرض الوصاية على العقول حتى يعامل ابن الأربعين معاملة الأطفال ؟ مولد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ونشأته : ولد عبد الملك سنة 82هـ ومات سنة 101هـ ، وهو في التاسعة عشرة من عمره ، في زهرة شبابه مات صافيًا لم يعرف آثام الحياة . وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه فتى مكتهل كان قائدًا مع أبيه , فكان نعم العون ولمّا يتجاوز السادسة عشر من عمره ؛ فقد كان – رحمه الله- ابن أم ولد لعمر بن عبد العزيز، وقد أعجب به أبوه أيما إعجاب . فضل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز و مكانته : فضل عبد الملك لا ينكر، إلا أن شهرة أبيه الواسعة ألهت الباحثين عن ذكره كما يشغل المؤرخ دائمًا بذكر الملوك وإنجازاتهم مع اختصار دور الوزراء . روى أبو نعيم في الحلية عن بعض مشيخة أهل الشام قال: " كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك ". وقال سيار بن الحكم خادم عمر: " قال ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك , وكان يفضل على أبيه : يا أبي أقم الحق ولو ساعة من نهار". و قال عمر بن عبد العزيز: " لولا أن يكون زُيِّنَ لي من أمر عبد الملك ما يُزين في عين الوالد من ولده ، لرأيت أنه أهل للخلافة ". وهذا الكلام صادر من عمر، وكفى به مزكيًا، ولكن عمر يربأ بولده عن أن يكون وريثًا له في الإمارة ، وإن كان لذلك أهلاً . و روى الدورقي قال : " إن عمر قال لابنه عبد الملك يومًا : إني أخبرك خبرًا، والله ما رأيت فتى ماشيًا قط أنسك منك نسكًا ، ولا أفقه فقهًا ، ولا أقرأ منك ، ولا أبعد من صبوة في صغر ولا كبر منك يا عبد الملك ". لأجل هذا قال ابن رجب الحنبلي في مناقب عبد الملك : " فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من جنسه أسوة ، ولعل أحدًا كريمًا من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة ؛ ففي ذكر أمثال أخبار هذا السيد الجليل مع سنه توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطال ، ولمن كان بعيدًا عن أسباب الدنيا هو إليها ميال". زهد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز و تقشفه : إنما الزاهد من مَلَكَ فترك ! فليس يعد زاهدًا من لم ينل من الدنيا إلا القليل ، فتعبد في صومعة ، ولو فتحت عليه الدنيا لم ندر ما يكون حاله ، فهذا فقيرٌ الله أعلم بنيته , إنما الزاهد من ملك الدنيا ثم تركها ابتغاء ما عند الله ، وجعلها مزرعة لآخرته ، وهذا الفرق بين الزهد و الفقر، وقد كان رسول الله زاهدًا لا فقيرًا ؛ إذا أقبلت الدنيا لا يفرح ، وإذا أدبرت لا يحزن . و الزهد في حال الشيخوخة محتمل، لكنه في الشبيبة نادر، وعلى هذا الدرب كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز. فعن ميمون بن مهران قال : "دخلت على عبد الملك بن عمر فحضر طعامه ، فأتى بقلية مدنية وهي عظام اللحم، ثم أتى بثريدة قد ملئت خبزًا وشحمًا، ثم أتى بزبد وتمر، فقلت : لو كلمت أمير المؤمنين يخصك منه بخاصة ، فقال : إني لأرجو أن يكون أوفى حظًّا عند الله من ذلك ، فقلت لنفسي : أنت لأبيك , ودخلت عليه مرة أخرى فإذا بين يديه ثلاثة أرغفة وقصعة فيها خل وزيت ". وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه سيرة عبد الملك بن عمر: " لقد كان - رحمه الله - مع حداثة سنه مجتهدًا في العبادة ، ومع قدرته على الدنيا وتمكنه منها راغبًا مؤثرًا للزهادة ". عبادة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز : الشباب مظنة الاستهتار و الغفلة ، لذلك فإن الطاعة من الشاب أحب إلى الله تعالى من الشيخ ، و من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : " و شاب نشأ في طاعة الله " ، ومن هؤلاء عبد الملك بن عمر؛ فقد قال عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز: " وفدت إلى سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز ، فنزلت على ابنه عبد الملك وهو عزب ، فكنت معه في بيت ، فصلينا العشاء وآوى كل رجل منا إلى فراشه ، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه ، ثم قام يصلي حتى ذهب بي النوم ، فاستيقظت فإذا هو في هذه الآية : { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } [ الشعراء: 205، 206] ، فيبكي ثم يرجع إليها ، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء ، فلما رأيت ذلك قلت : لا إله إلا الله والحمد لله كالمستيقظ من النوم ؛ لأقطع عليه ذلك شفقة عليه ، فلما سمعني سكت ، فلم أسمع له حسًّا - رحمه الله - فانظر رحمك الله كيف حال هذا الشاب الوزير مع ربه بالليل ؟ نصيحة عبد الملك لأمير المؤمنين : كان دائمًا يأتي بالخبر الفصل ، وينطق بالكلام الجزل في القضايا العويصة , وبشجاعة يعجز عنها الأفذاذ ، فموقع الوزارة من أبيه عمر جعله دائمًا ينظر إلى صلاح آخرة الأمير، وهذه مهمة الوزير الحقيقية : النصيحة الشجاعة، وليس تبرير تصرفات الأمير كأنه سكرتير خالص له !! فقد جمع عمر بن عبد العزيز الناس واستشارهم في رد مظالم الحجاج، فكان كلما استشار رجلاً قال له : يا أمير المؤمنين ذاك أمر في غير سلطانك ولا ولايتك , فكان كلما قال له رجل ذلك أقامه، حتى خلص بابنه عبد الملك ، فقال له ابنه : يا أبي ما من رجل استطاع أن يرد مظالم الحجاج فلم يردها إلا شركه فيها ، فقال له عمر: لولا أنك ابني لقلت : إنك أفقه الناس ؛ الحمد لله الذي جعل لي وزيرًا من أهلي عبد الملك ابني . حلم عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز : قليل من الناس لا تغيرهم المناصب ، بل يغيرونها بأخلاقهم ، واسمع لهذا الموقف من الشاب المكتهل ، فعن إسماعيل بن أبي الحكم قال : غضب عمر بن عبد العزيز يومًا فاشتد به غضبه وعبد الملك حاضر، فلما سكن غضبه قال : يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك ، وفي موضعك الذي وضعك الله به، وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب ما أرى ؟ قال: كيف قلت ؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال له عمر : أما تغضب يا عبد الملك ؟ قال : ما تغني سعة جوفي إن لم أرد فيه الغضب حتى لا يظهر منه شيء أكرهه ، وفي رواية : لا والذي أكرمك بما أكرمك به ، ما ملأني الغضب قط . و ذات يوم أمر عمر غلامه بأمر ، فغضب عمر، فقال عبد الملك : يا أبتاه .. ما هذا الغضب والاختلاط ؟ فقال عمر : إنك لتتحلم يا عبد الملك ؟ فقال عبد الملك : لا والله ما هو التحلم ، ولكن الحلم . قال ابن رجب : "ومراد عبد الملك أن الحلم عنده صفة لازمة ، وهو مجبول عليها ، ولا يحتاج أن يصطنعه ويتكلفه من غير أن يكون عنده حقيقة ". الحزم قبل أن ينتقض العزم : روى أبو بكر الآجري : أنه لما دفن سليمان بن عبد الملك خطب عمر الناس ونزل ، ثم ذهب يتبوأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك فقال : يا أمير المؤمنين , من لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال : اُدن مني أي بني ، فدنا منه، فالتزامه وقبله بين عينيه , وقال : الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني ، وخرج فلم يُقِل ، وأمر مناديًا : ألا من كانت له مظلمة فليرفعها . وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال : "جلس عمر يومًا للناس ، فلما انتصف النهار ضجر وعلَّ وملَّ ، فقال للناس : شأنكم حتى أنصرف إليكم ، فدخل يستريح ساعة، فجاءه عبد الملك فسأل عنه قالوا : دخل يستريح ، فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل قال : يا أمير المؤمنين ما أدخلك ؟ قال : أستريح ساعة ، قال : أَوَ أَمِنْتَ الموت أن يأتيك ورعيتك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم ؟ فقام من ساعته وخرج إلى الناس . موعظة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه : قلما تجد معزيًّا يذكر الأمير بقضية الموت ، وينقل صاحب البلية من الانشغال بالبكاء على غيره للبكاء على نفسه ؛ فعن يحيى بن إسماعيل قال : " مات ابن لعمر بن عبد العزيز، فكشف عمر الثوب عن وجهه ، وجعل يستدمع ، فجاء عبد الملك فقال : أشغلك يا أمير المؤمنين ما أقبل من الموت إليك ؟ بل وهو في شغل عما حل لديك ، فكأنك قد لحقت به وساويته تحت التراب بوجهك ، فبكى عمر ثم قال : رحمك الله يا بني فو الله إنك لعظيم البركة ، نافع الموعظة لمن وعظت ، ولكن جزعي لما علمت أن ملك الموت دخل داري ، فراعني دخوله، فكان الذي رأيت . تورع عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز عن الحرام : إن المال المتراكم لدى الأمراء الناتج عن سوء استخدام السلطات أو الهدايا التي تأتيهم من الرعية رغبًا ورهبًا كان لعبد الملك فيها رأي , فقال عمر يومًا لمولاه مزاحم : إن هؤلاء القوم - يعني بني عمه من الخلفاء الذين كانوا من قبله - قد أعطونا عطايا ، وما كان لنا أن نتقبلها، وإن ذلك صار إليّ ، وليس عليّ فيها دون الله محاسب. فقال له مزاحم : يا أمير المؤمنين هل تدري كم عيالك ؟ هم كذا و كذا ، فذرفت عيناه فجعل يستدمع ويقول : أكِلَُهم إلى الله ثم انطلق مزاحم من ساعته حتى استأذن على عبد الملك، فقال له عبد الملك : ما جاء بك يا مزاحم ؟ هل حدث حدث ؟ قال : اشتد الحدث عليك وعلى بني أبيك ، قال : وما ذاك ؟ قال : دعاني أمير المؤمنين ، وذكر القصة .. فقال عبد الملك : فما قلت له ؟ قال قلت : يا أمير المؤمنين أتدري كم عيالك؟ هم كذا وكذا، قال : فما قال لك ؟ قال : جعل يستدمع ويقول : أكِلُهم إلى الله , فقال عبد الملك : بئس وزير الدين أنت يا مزاحم , ثم وثب وانطلق إلى باب عمر، فاستأذن عليه ، فقيل : إن أمير المؤمنين وضع رأسه للقائلة، فقال : استأذن لا أم لك , فسمع عمر الكلام فقال : دعه فدخل ، فقال عمر : ما حاجتك يا بني هذه الساعة ؟ قال : حديث حدثنيه مزاحم , قال : فأين وقع رأيك من ذلك ؟ قال : عليّ إنفاذه ومن الساعة ، فحمد عمر ربه وقال : نَعَمْ يا بني , أصلي الظهر ثم أصعد المنبر وأردها علانية على رءوس الناس ، فقال عبد الملك : ومن لك بالظهر؟ ومن لك إن بقيت للظهر أن تسلم لك نيتك ؟ فقال عمر: تفرق الناس ورجعوا للقائلة ، قال عبد الملك : تأمر المنادي فيجمع الناس ، ففعل عمر, والمراد أن عبد الملك حثه على فعل ذلك ، وعلى المبادرة إليه حين عزم عليه ؛ خشية أن تنفسخ نيته إن أخره ، أو يموت قبل الفعل ؛ فقد ينوي المرء خيرًا لكن التكاسل والتسويف يمحقان أثر هذه النية . هوان نفسه في سبيل الله : قال ميمون بن مهران : قال عبد الملك بن عمر لأبيه يومًا : يا أبى ما منعك أن تمضي لما تريد من العدل ؟ فو الله ما كنت أبالي لو غَلتْ بي وبك القدور في ذلك . يعني : نعذب في سبيل إقامة الحق و لو وضعنا في القدور التي يغلي فيها الزيت الحار . و قال عمر يومًا : و الله لوددت أني عدلت يومًا واحدًا و أن الله توفى نفسي .. فقال عبد الملك : أنا والله لوددت أني عدلت فواق ناقة و أن الله توفى نفسي، فقال عمر: آلله ؟ فقال عبد الملك : آلله , و لو غَلتْ بي و بك القدور، فقال عمر: جزاك الله خيرًا . و قال لأبيه ذات يوم : ماذا أنت قائل لربك غدًا إن سألك وقد تركت حقًّا لم تحيه ، و باطلاً لم تمته ؟ وفاة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز : قال عمر ذات يوم لعبد الملك ابنه: ما كنت أحب أن أراه فيك إلا قد رأيته إلا شيئًا واحدًا قال : ما هو؟ قال : موتك (أي يبتلى بفقده ، فيكون في صحيفة حسناته) قال : أراكه الله ، فأصابه الطاعون في خلافة أبيه ، فمات قبل أبيه وعمره تسعة عشر عامًا ، ووقف عمر على قبره وقال : رحمك الله يا بني، فلقد كنت برًّا بأبيك ، وما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا ، ولا والله ما كنت أشد سرورًا ولا أرجى لحظي من الله فيك منذ وضعتك في الموضع الذي صيرك الله إليه ، فرحمك الله وغفر ذنبك ، و جزاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئة ، و رحم كل شافع يشفع لك من شاهد وغائب ، رضينا بقضاء الله ، و سلمنا لأمره والحمد لله رب العالمين .
|
![]() |
|
|
![]() |