![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
رسائل اليوم رسائل بيت عطاء الخير اليومية |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم معنى اسم الله الحكيم (14) - الحِكْمَةُ فِي الاِبْتِلَاءِ: صُوَرُ الاِبْتِلَاءِ فِي خَلْقِهِ رَحْمَةٌ مِنْهُ وَحِكْمَةٌ فِيهَا لَهُ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِمَا يُشَاهَدُ مِنْ أَنْوَاعِ الاِبْتِلَاءِ وَالامْتِحَانِ وَالآلَامِ لِلْأَطْفَالِ وَالحَيَوَانَاتِ وَمَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنِ التَّكْلِيفِ وَمَنْ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ؟ وَمَا تَقُولُونَ فِي الأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ المُنْتَقِمِ وَالقَابِضِ وَالخَافِضِ وَنَحْوِهَا؟ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَا يَكْفِي بَعْضُهُ لِذِي الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَالعَقْلِ المُسْتِقِيمِ، وَأَمَّا مَنْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُ وَانْتَكَسَ قَلْبُهُ وَضَعُفَتْ بَصِيرَةُ عَقْلِهِ فَلَوْ ضُرِبَ لَهُ مِنَ الأَمْثَالِ مَا ضُرِبَ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا عَمَىً وَتَحَيُّرًا وَنَحْنُ نَزِيدُ مَا تَقَدَّمَ إِيضَاحًا وَبَيَانًا، إِذْ بَسْطُ هَذَا المَقَامِ أَوْلَى مِنْ اخْتِصَارِهِ فَنَقُولُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جَمِيعَ أَسْمَاءِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ حُسْنَى وَصِفَاتِهِ كَمَالٌ وَأَفْعَالَهُ حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ، وَلَهُ كُلُّ ثَنَاءٍ وَكُلُّ حَمْدٍ وَمَدْحَةٍ، وَكُلُّ خَيْرٍ فَمِنْهُ وَلَهُ بِيَدِهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي أَسْمَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَفْعُولَاتِهِ فَهُوَ خَيْرٌ بِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ وَشَرٌّ بَإِضَافَتِهِ إِلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ وَوَقَعَ بِهِ، فَتَمَسَّكْ بِهَذَا الأَصْلِ وَلَا تُفَارِقْهُ فِي كُلِّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ، وَحَكِّمْهُ عَلَى كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ، وَحَاكِمْ إِلَيْهِ وَاجْعَلْهُ آخِيَّتَكَ التِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا وَتَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ خَصَائِصَ فِي خَلْقِهِ وَرَحْمَةً وَفَضْلًا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَذَلِكَ مُوجِبُ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَحَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تُصْغِيَّ إِلَى وَسْوَسَةِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ وَالنَّفْسِ الجَاهِلَةِ الظَّالِمَةِ، إِنَّهُ هَلَّا سَوَّى بَيْنَ عِبَادِهِ فِي تِلْكَ الخَصَائِصِ وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُم عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنَّ هَذَا عَيْنُ الجَهْلِ وَالسَّفَهِ مِنَ المُعْتَرِضِ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ حِكْمَتَهُ تَأَبَى ذَلِكَ وَتَمْنَعُ مِنْهُ، وَلَكِنِ اعْلَمْ أَنَّ الأَمْرَ قِسْمَةٌ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، فَيَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَقْصِدُ بِعَذَابِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى هَذَا، فَالطَّيِّبُونَ مِنْ خَلْقِهِ مَخْصُوصُونَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالخَبِيثُونَ مَقْصُودُونَ بِعَذَابِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ قِسْطُهُ مِنَ الحِكْمَةِ وَالابْتِلَاءِ وَالامْتِحَانِ، وَكُلٌّ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ لَهُ مَخْلُوقٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَيْرٌ وَنَفْعٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُمْ لِلْخَيْرَاتِ فَهُمْ لَهَا عَامِلُونَ، وَاسْتَعْمَلَهُم فِيهَا فَلَمْ يُدْرِكُوا ذَلِكَ إِلَّا بِهِ وَلَا اسْتَحَقُّوهُ إِلَّا بِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ مَشِيئَتِهِ وَقِسْمَتِهِ، فَكَذَلِكَ لَا تَضُرُّهُم الأَدْوَاءُ وَلَا السُّمُومُ، بَلْ مَتَى وَسْوَسَ لَهُمْ العَدُوُّ وَاغْتَالَهُم بِشَيءٍ مِنْ كَيْدِهِ أَوْ مَسَّهُمْ بِشَيءٍ مِنْ طَيْفِهِ { تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }، { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ }: وَإِذَا وَقَعُوا فِي مَعْصِيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِم رَحْمَةً وَانْقَلَبَ فِي حَقِّهِم دَوَاءً وَبُدِّلَ حَسَنَةً بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالحَسَنَاتِ المَاحِيَةِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَرَّفَهُم بِنَفْسِهِ وَبَفَضْلِهِ وَبِأَنَّ قُلُوبَهُم بِيَدِهِ وَعِصْمَتَهُم إِلَيْهِ حَيْثُ نَقَضَ عَزَمَاتِهِم وَقَدْ عَزَمُوا أَلَّا يَعْصُوهُ، وَأَرَاهُم عِزَّتَهُ فِي قَضَائِهِ، وَبِرَّهُ وَإِحْسَانَهُ فِي عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَأَشْهَدَهُم نُفُوسَهُم وَمَا فِيهَا مِنَ النَّقْصِ وَالظُّلْمِ وَالجَهْلِ، وَأَشْهَدَهُم حَاجَتَهُم إِلَيْهِ وَافْتِقَارَهُم وَذُلَّهُمِ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْفْ عَنْهُم وَيَغْفِرْ لَهُم فَلَيْسَ لَهُم سَبِيلٌ إِلَى النَّجَاةِ أَبَدًا. فَإِنَّهُم لَمَّا أَعْطُوا مِنْ أَنْفُسِهِم العَزْمَ أَلَّا يَعْصُوهُ وَعَقَدُوا عَلَيْهِم قُلُوبَهُم ثُمَّ عَصَوْهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَعَرِفُوا بِذَلِكَ عَظِيمَ اقْتِدَارِهِ، وَجَمِيلَ سَتْرِهِ إِيَّاهُم، وَكَرِيمَ حِلْمِهِ عَنْهُم، وَسِعَةَ مَغْفِرَتِهِ لَهُم بِرَدِّ عَفْوِهِ وَحَنَانِهِ وَعَطْفِهِ وَرَأْفَتِهِ، وَأَنَّهُ حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ، وَرَحِيمٌ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَأَنَّهُم مَتَى رَجَعُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَجَدُوهُ غَفُورًا رَحِيمًا حَلِيمًا كَرِيمًا، يَغْفِرُ لَهُم السَّيِّئَاتِ، وَيُقِيلُهُم العَثَرَاتِ، وَيَوُدُّهُم بَعْدَ التَّوْبَةِ وَيُحِبُّهُم، فَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ حِينَئِذٍ بِالدُّعَاءِ وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ بِحُسْنِ إِجَابَتِهِ وَجَمِيلِ عَطْفِهِ وَحُسْنِ امْتِنَانِهِ فِي أَنْ أَلْهَمَهُم دُعَاءَهُ وَيَسَّرَهُم لِلْتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ وَأَقْبَلُوا بِقُلُوبِهِم إِلَيْهِ إِعْرَاضًا عَنْهُ، وَلَمْ تَمْنَعْهُ مَعَاصِيهِم وَجِنَايَاتِهِم مِنْ عَطْفِهِ عَلَيْهِم وَبِرِّهِ لَهُم وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِم فَتَابَ عَلَيْهِم قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا إِلَيْهِ، وَأَعْطَاهُم قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُوهُ. فَلَمَّا تَابُوا إِلَيْهِ اسْتَغْفَرُوهُ وَأَنَابُوا إِلَيْهِ تَعَرَّفَ إِلَيْهِم تَعَرُّفًا آَخَرَ: فَعَرَّفَهُم رَحْمَتَهُ وَحُسْنَ عَائِدَتِهِ وَسِعَةَ مَغْفِرَتِهِ وَكَرِيمَ عَفْوِهِ وَجَمِيلَ صَفْحِهِ وَبِرِّهِ وَامْتِنَانِهِ وَكَرَمِهِ وَشَرْعِهِ، وَمُبَادَرَتِهِ قَبُولَهُم بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْهُم مَا كَانَ مِنْ طُولِ الشُّرُورِ وَشِدَّةِ النُّفُورِ وَالإِيضَاعِ فِي طَريقِ مَعَاصِيهِ، وَأَشْهَدَهُم مَعَ ذَلِكَ حَمْدَهُ العَظِيمَ وَبِرَّهُ العَمِيمَ، وَكَرَمَهُ فِي أَنْ خَلَّى بَيْنَهُم وَبَيْنَ المَعْصِيَةِ فَنَالُوهَا بِنِعَمِهِ وَإِعَانَتِهِ. ثُمَّ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُم وَبَيْنَ مَا تُوجِبُهُ مِنَ الهَلَاكِ وَالفَسَادِ الذِي لَا يُرْجَى مَعَهُ فَلَاحٌ، بَلْ تَدَارَكَهُم بِالدَّوَاءِ الثَّانِي الشَّافِي فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُم دَاءً لَوِ اسْتَمَرَّ مَعَهُم لأَفْضَى إِلَى الهَلَاكِ، ثُمَّ تَدَارَكَهُم بِرُوحِ الرَّجَاءِ فَقَذَفَهُ فِي قُلُوبِهِم، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عِنْدَ ظُنُونِهِم بِهِ، وَلَوْ أَشْهَدَهُم عِظَمَ الجِنَايَةِ وَقُبْحَ المَعْصِيَةِ وَغَضبَهُ وَمَقْتَهُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ فَقَطْ لأَوْرَثَهُم ذَلِكَ المَرَضَ القَاتِلَ أَوِ الدَّاءَ العُضَالَ مِنَ اليَأْسِ مِنْ رَوحِهِ وَالقُنُوطَ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَيْنُ هَلَاكِهِم، وَلَكِنْ رَحِمَهُمْ قَبْلَ البَلَاءِ، وَجَعَلَ تِلْكَ الآَثَارَ التِي تُوجِبُهَا المَعْصِيَةُ مِنَ المِحَنِ وَالبَلَاءِ وَالشَدَائِدِ رَحْمَةً لَهُم وَسَبَبًا إِلَى عُلُوِّ دَرَجَاتِهِم وَنَيْلِ الزُّلْفَى وَالكَرَامَةِ عِنْدَهُ، فَأَشْهَدَهُم بِالجِنَايَةِ عِزَّةَ الرُّبُوبِيَّةِ وَذُلَّ العُبُودِيَّةِ، وَرَقَّاهُم بَآثَارِهِم إِلَى مَنَازِلِ قُرْبِهِ وَنَيْلِ كَرَامَتِهِ، فَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَرْبَحُونَ عَلَيْهِ يَتَقَلَّبُونَ فِي كَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَكُلُّ قَضَاءٍ يَقْضِيهِ لِلْمُؤْمِنِ فَهُوَ خَيْرٌ بِهِ يَسُوقُهُ إِلَى كَرَامَتِهِ وَثَوَابِهِ. وَكَذَلِكَ عَطَايَاهُ الدُّنْيَوِيَّةُ نِعَمٌ مِنْهُ عَلَيْهِم، فَإِذَا اسْتَرْجَعَهَا أَيْضًا وَسَلَبَهُم إِيَّاهَا انْقَلَبَتْ مِنْ عَطَايَا الآخِرَةِ مَا قِيلَ: إِنَّ اللهَ يُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ بِالعَطَايَا الفَاخِرَةِ، فَإِذَا اسْتَرْجَعَهَا كَانَتِ الآَخِرَةُ، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ قَدْ تَجَلَّى لِقُلُوبِ المُؤْمِنِينَ العَارِفِينَ وَظَهَرَ لَهَا بِقُدْرَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَمَضِيِّ مَشِيئَتَهُ وَعَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَعُلُوَّ شَأْنِهِ وَكَرَمِهِ وَبِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَسِعَةَ مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَا أَلْقَاهُ فِي قُلُوبِهِم مِنَ الإِيمَانِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَى حَيْثُ احْتَمَلَتْهُ القُوَى البَشَرِيَّةُ وَوَرَاءَهُ مِمَّا لَمْ تَحْتَمِلْهُ قُوَاهُم وَلَا يَخْطُرُ بِبَالٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي خَلَدٍ مِمَّا لَا نِسْبَةَ لِمَا عَرِفُوهُ إِلَيْهِ. فَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ كَانَ قَسْمَهُم أَنْواعُ المَعَاصِي وَالفُجُورِ، وَفُنُونُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالتَّقَلُّبُ فِي غَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَقُلُوبُهُم وَأَرْوَاحُهُم شَاهِدَةٌ عَلَيْهِم بِالمَعَاصِي وَالكُفْرِ مُقِرَّةٌ بَأَنَّ لَهُ الحُجَّةَ عَلَيْهِم وَأَنَّ حَقَّهُ قبلَهُم، وَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ مِنْهُم النَّارَ إِلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ مُقِرٌّ بَهِ مُعْتَرِفٌ اعْتِرَافَ طَائِعٍ لَا مُكَرَهٍ مُضْطَهَدٍ، فَهَذِهِ شَهَادَتُهُم عَلَى أَنْفُسِهِم وَشَهَادَةُ أَوْلِيَائِهِ عَلَيْهِم، وَالمُؤْمِنُونَ يَشْهَدُونَ فِيهِم بِشَهَادَةٍ أُخْرَى لَا يَشْهَدُ بِهَا أَعْدَاؤُهُ، وَلَوْ شَهِدُوا بِهَا وَبَاءُوا بِهَا لَكَانَتْ رَحَمَتُهُ أَقْرَبَ إِلَيهِم مِنْ عُقُوبَتِهِ، فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُم عَبِيدُهُ وَمِلْكُهُ وَأَنَّهُ أوْجَدَهُم لِيُظْهِرَ بَهَم مَجْدَهُ، وَيُنْفِذَ فِيهِم حُكْمَهُ، وَيُمْضِيَ فِيهِم عَدْلَهُ، وَيُحِقَّ عَلَيْهِم كَلِمَتَهُ، وَيَصْدُقَ فِيهِم وَعِيدُهُ، وَيَبِينَ فِيهِم سَابِقُ عِلْمِهِ، وَيُعَمِّرَ بِهَا دِيَارَهُم وَمَسَاكِنَهُم التِي هِيَ مَحِلُّ عَدْلِهِ وَحْكْمَتِهِ، وَشَهِدَ أَوْلِيَاؤُهُ عَظِيمَ مُلْكِهِ وَعِزَّ سُلْطَانِهِ، وَصِدْقَ رُسُلِهِ وَكَمَالَ حِكْمَتِهِ، وَتَمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِم، وَقَدْرَ مَا اخْتُصِمَ بِهِ وَمِنْ أَيِّ شَيءٍ حَمَاهُمْ وَصَانَهُم، وَأَيَّ شَيءٍ صَرَفَ عَنْهُم، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُم إِلَيْهِ وَسِيلَةٌ قَبْلَ وُجُودِهِم يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَيْهِ أَلَّا يَجْعَلَهُم مِنْ أصْحَابِ الشِّمَالِ وَأَنْ يَجْعَلَهُم مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ، وَشَهِدُوا لَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ ما كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِم وَفِيهِم مِمَّا يَقْتَضِيهِ إِتْمَامُ كَلْمَاتِهِ الصِّدْقَ وَالعَدْلَ قَوْلُهُ وَتَحَقَّقَ مُقْتَضَى أَسْمَائِهِ فَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ حَسَنٌ جَمِيلٌ لَهُ عَلَيْهِ أَتَمُّ الحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ وَأَفْضَلُهُ، وَهُوَ حُكْمٌ عَدْلٌ وَقَضَاءٌ فَصْلٌ وَأَنَّهُ المَحْمُودُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ ظُلْمٌ وَلَا جَوْرٌ وَلَا عَبَثٌ بَلْ ذَلِكَ عَيْنُ الحِكْمَةِ، وَمَحْضُ الحَمْدِ، وَكَمَالٌ أَظْهَرَهُ فِي حَقِّهِ، وَعِزٌّ أَبْدَاهُ، وَمُلْكٌ أَعْلَنَهُ، وَمُرَادٌ لَهُ أَنْفَذَهُ، كَمَا فَعَلَ بِالبُدْنِ وَضُرُوبِ الأَنْعَامِ أَتَمَّ بِهَا مَنَاسِكَ أَوْلِيَائِهِ وَقَرَابِينَ عِبَادِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَى الأَنْعَامِ هَلَاكًا وَإِتْلَافًا، فَأَعْدَاؤُهُ الكُفَّارُ المُشْرِكُونَ بِهِ الجَاحِدُونَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ دِمَاؤُهُم قَرَابِينَ أَوْلِيَائِهِ وَضَحَايَا المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ ، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: يَتَطَهَّرُونَ يَرَوْنَهُ قُرْبَانَهُم ♦♦♦ بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنَ الكُفَّارِ وَكَذَلِكَ لَمَّا ضَحَّى خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيُّ بِشَيْخِ المُعَطِّلَةِ الفِرْعُونِيَّةِ جَعْدِ بْنِ دِرْهَم؛ فَإِنَّهُ خَطَبَهُم فِي يَوْمِ أَضْحَى فَلَمَّا أَكْمَلَ خُطْبَتَهُ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ ضَحَايَاكُم، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالجَعْدِ بْنِ دِرْهَم؛ إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَلَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا" ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ، فَكَانَ ضَحِيَّتَهُ. وَذَكَرَ ذَلِكَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ الأَفْعَالِ، فَهَذَا شُهُودُ أَوْلِيَائِهِ مِنْ شَأْنِ أَعْدَائِهِ، وَلَكْنَّ أَعْدَاءَهُ فِي غَفْلَةٍ عَنْ هَذَا لَا يَشْهَدُونَهُ وَلَا يُقِرُّونَ بِهِ، وَلَوْ شَهِدُوهُ وَأَقَرُّوا بِهِ لأَدْرَكَهُم حَنَانُهُ وَرَحْمَتُهُ، وَلَكِنْ لَمَّا حُجِبُوا عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَإِثْبَاتِ أَسْمَائِهِ الحُسْنِى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا وَوَصْفِهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ صَارُوا أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الأَنْعَامِ وَضُرِبُوا بِالحِجَابِ، وَأُبْعِدُوا عَنْهُ بِأَقْصَى البُعْدِ وَأُخْرِجُوا مِنْ نُورِهِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، وَغُيِّبَتْ قُلُوبُهُم فِي الجَهْلِ بِهِ وَبِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي غَابَاتٍ، لِيُتِمَّ عَلَيْهِم أَمْرَهُ وَيُنْفِذَ فِيهِم حُكْمَهُ، واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللهُ أَعْلَمُ. أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين |
|
|
![]() |