![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
رسائل اليوم رسائل بيت عطاء الخير اليومية |
![]() |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() من: الأخت / الملكة نــور
ذلك زرعك .. وهذا حصادك يقول راوي القصة : كنت مدرساً في حلقة تحفيظ القرآن الكريم بالمسجد ، أراه بعد المغرب في الخامسة عشرة من عمره ممسكاً بمصحف صغير يقرأ فيه ، لا لم يكن يقرأ كان يوهمنا أنه يقرأ ، كان يختلس النظرات الينا الحين بعد الحين ، يريد ان يعرف ماذا نفعل ، كان يسترق السمع الفنيـة بعد الاخرى ، يريد أن يعرف ماذا نقول ، وكلما نظرت اليه غض طرفه وعاد الى قراءته كأن لم يفعل شيئا , كان يجلس يومياً هذه الجلسة الخجولة ، وينظر تلك النظرات الراهبة بعد انتهاء صلاة العشاء ، عزمت على التعرف عليه * أنا اسمي سلمان أدرّس في حلقة القرآن الكريم بالمسجد * وأنا اسمي خالد عجباً !! قالها بسرعة كأنه كان يحضر الاجابة ويتوقع السؤال . * أين تدرس يا خالد ؟؟ * في السنة الثالثـة المتوسطة ، وأحب القرآن جـداً ، إزداد إعجابي ! ما ضرورة تلك الجملة الاخير ؟ تشجعت وقلت له خالد هل لديك فسحة في الوقت بعد المغرب ، نأنس بوجودك معنا في حلقة القرآن الكريم . هـاه !! القرآن ، الحلقة ، نعم ، نعم ، بكل سرور ، سوف آتي ان شـاء الله إذن ، موعدنا غداً ان شاء الله . أمضيت ليلتي وانا افكر في حال هذا الفتى العجيب ، استعصى علي النوم حاولت أن اجد اجـابـة لمـا رأيت وسمعت فما استطعت قلت في نفسي : تبدي لك الايام ما كنت جاهلاً , ويأتيك بالاخبار من لم تزود وضعت جنبي على شقي الايمن , لفني اللي بين أدرانه ، وأخذني النوم في أحضانه اللهم اسلمت وجهي اليك ، وفوضت أمري اليك ومضت الايام ، وخالد مستمر معنا في حلقة القرآن ، كان نشيطاً في الحفظ والمراجعة ، أحب الجميع ، وأحبه الجميع ، كان لا يفارق المصحف ، ولا يترك الصف الاول ، لم نكن ننكر عليه أي شيء إلا شيئاً واحداً ؟ شروده الطويل ، وتفكيره الساهم ، فأحياناً نحس أن جسمه معنا ، لكن روحه تمضي ، سابحة في ملكوت اخر ، غارقاً في دنيا اخرى ، كنت افاجئه احياناً ، فلا يملك إلا أن يلملم هروبه الذهني ، وشروده الفكري ويعتذر بعذر ، وهو يعلم أننا لا نصدقه اخذته يوماً الى شاطئ البحر ، فلعل سره الكبير يلتقي مع هذا البحر الكبير فيفرغ ما في نفسه من هم ، ويخرج ما في روحه من الم وصلنا الى البحر ، ومشينا على شاطئه ، كان الوقت مساءاً ، وكان القمر بدراً منظر عجيب ، التقى فيه سواد الماء مع سواد البحر ، ووقف نور القمر الفضي ، حائراً بينهما كوقوفي حائراً أمام خالد تسري خيوط القمر البيضاء الهادئة الصامته على صفحة هذا البحر الهادئ الصامت ، ووقفت أنا أمام هذا الفتى الصامت ، المنظر كله صمت في صمت ، فلا صوت هناك يُسمع سوى صوت الصمت فجــأة يخترق هذا السكون الصامت ، صوت بكاء حار ، ونحيب مــر صوت خالد وهو يبكي ، لم أشــأ أن اقطع عليه لذة البكـاء ، وطعم الدموع فلعل ذلك يريح نفسه ، ويزيل همـه وبعد لحظات قال أني احبكم ، احب القرآن ، وأهل القرآن ، احب الصالحين ، والطيبين ، ولكن ، أبي ، أبي أبـوك ؟؟!! وما بال أبيـك يا خـالد ؟؟ أبي يحذرني دائماً أن امشي معكم ، يخاف منكم ، يكرهكم ، كان دائماً يبغضني فيكم ، ويستشهد على ذلك بقصص وحكايات وأساطير وروايات ، ولكن عندما كنت أراكم في الحلقة تقرؤون القرآن ، كنت أرى النور في وجوهكم ، النور في كلامكم بل كنت ارى النور في صمتكم كنت اشك بكلام والدي ، فلذلك كنت دائماً أجلس بعد المغرب ، أنظر اليكم وأتخيل نفسي معكم ، اقتبس من نوركم ، وأرشف من معينكم . أتذكر ؟ أتذكر يا استاذ سلمان ؟؟ اتذكر عندما اتيتني بعد صلاة العشاء ؟ لقد كنت انتظرك منذ زمن بعيد ، تُمسك بروحي ، وتجعلها تحلق مع أرواحكم ، في عالم الطهر والعفاف والنور والاستقامة ، تشجعت ، دخلت الحلقة ، اجتهدت ، لم أكن أنام ، كانت ايامي وليالي كلها قرآن ، لاحظ ابي التغيير الذي طرأ على حياتي ، عرف بطريقة أو باخرى ، انني دخلت التحفيظ ومشيت مع ( المطاوعة ) حتى كانت تلك الليلة السوداء ، كنا ننتظر حضوره من المقهى كعادته اليومية ، لنتناول طعام العشاء سوياً دخل البيت ، بوجهه المظلم ، وتقاطيعه الغاضبة ، جلسنا على سفرة الطعام ، الكل صامت كالعادة ، كلنا نهاب الكلام في حضوره ، ثم قطع الصمت بصوته الاجش الجهوري ، وبصراحته المعهودة لقد سمعت أنك تمشي مع المطاوعـة ؟ أصيب مقتلي ، عُقـد لساني ، ذهب بياني ، اختلطت الكلمات في فمـي ، لم ينتظر الاجـابـة ، تناول إبريق الشاي ، ورماه بقـوة في وجهي ، دارت الدنيا في رأسي ، واختلطت الالوان في عيني ، وأصبحت لا أميز سقف البيت من جدرانه ، من أرضـه ، سقـطت و حملتني امي ، صحوت من اغمائتي الخفيفة ، على يديها الدافئة ، وإذا بالصـوت الجهـوري يقول اتركيه ، والا اصابك ما أصابه استللت جسمي من بين يدي امي ، تحاملت على نفسي لاذهب الى غرفتي ، وهو يشيعني بأبشع الشتائم ، واحط الالقاب ، لم يكن يمر يوم إلا وهو يضربني ، ويشتمني ، ويركلني ، يرميني بأي شيء يجده أمامه ، حتى أصبح جسمي لوحـة مرعبـة ، اختلطت فيها الالوان الداكنـة ، كرهته ، أبغضته ، امتلأ قلبي بالحقد عليه يومٌ من الايام ونحن على سفرة الطعام ، قال قـم ولا تـأكل معنــا وقبل ان اقوم ، قام هو وركلني في ظهري ركلة ، اسقطتني على صحن الطعام تخيـلـت انني اصـرخ في وجهـه وأقـول لـه سوف أقتص منك ، سوف اضربك كما ضربتني ، سوف اكبر واصبح قوياً ، وسوف تكبر وتصبح ضعيفاً ، عندها افعل بك كما تفعل بي ، واجزيك شر ما جزيتني ثم هربت ،، خرجت من المنزل ،، اصبحت اجري واجري على غير هدى ، وبدون هدف ، حتى ساقتني رجلي الى هذا البحر ، الذي تغسل امواجه هموم نفسي ، وآلام فؤادي ، وامسكت بالمصحف اقرأ فيه ، حتى اني لم استطع ان اواصل من كثرة البكاء ، وشدة النحيب عندها نزلت من خالد بعضاً من دموعه النقية ، التي سطعت في ضوء القمر كما يسطع اللؤلؤ تحت ضوء المشاعل لم انبس بكلمة واحدة ، فقد ربط العجب لساني واستعجـم بيـاني هل اعجب من هذا الاب الوحشي الذي خلا قلبه من معاني الرحمة وعشعشت في قلبه شتى انواع القسوة ؟ ام اعجب من هذا الابن الصابر الذي اراد الله عز وجل له الهداية ، فألهمه الثبات ؟ ام اعجب منهما الاثنين حين استحالت رابطة الأبوة والبنوة بينهما أشلاء ، صارت علاقتهما كعلاقة الاسد بالنمر ، والثعلب بالذئب ؟ اخذت بيده ، مسحت دموعه بيدي ، وصبرته ودعوت له ، ونصحته ببر والده والصبر على أذاه ، ولو حصل منه ماحصل وفعل ما فعل ، ووعدته بأن اقابل والده واكلمه واستعطفه مرت الايام وانا افكر في الطريقة التي افاتح بها والد خالد في موضوع ابنه وكيف اتكلم معه ؟ وكيف اقنعه ؟ بل كيف اعرفه على نفسي ؟ وكيف سأطرق عليه الباب ؟ واخيراً استجمعت قواي ، ولممت افكاري ، وقررت ان تكون المواجهة ، اقصد المقابلة اليوم الساعة الخامسة سرت الى منزل والد خالد ، وسارت معي افكار الكثيرة ، وتساؤلاتي العديدة ، طرقت الباب ، ويدي ترتجف ، وساقي تعجز عن حملي ثم فُتح الباب ، وإذا بذلك الوجه العابس ، وتلك التقاطيع الغاضبة ، فابتسمت ابتسامة صفراء لعلها تمتص نظرته السوداء ، وقبل ان اتكلم امسك بتلابيب ثوبي ،، وشدني اليه وقال : انت الموطـع الذي تدّرس خالداً في المسجد ؟؟، قلت : ن .. ع .. م قال : والله لو رأيتك تمشي معه مرة اخرى كسرت رجلك ، خالد لن يأتيكم بعد الان ثم ، جمع مـادة فمـه وقذف بها دفعـة واحـدة في وجه الفقير الى الله ، واغلق الباب كان ختـامهـا مسكـاً مسحت عن وجهي ما أكرمني به ، ورجعت ادراجي وأنا اسلي نفسي واقول رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام ، فُـعل به أكثر من هذا ، كذبه قومه شتموه ، رموه بالحجارة ، أدموا رجله ، كسروا رباعيته ، وضعوا القاذورات فوقه ، اخرجوه من وطنه ، وطردوه من أرضه ومرت الايام ، تلو الايام ، والشهور تلو الشهور ، ونحن لا نرى خالداً ، فأبوه يمنعه من الخروج حتى للصلاة ، ونحن يمنعنا من رؤيته وزيارته ، دعونا له ونسيناه في غمرة الحياة ، ومرت السنون . وفي ذات ليلة ، بعد صلاة العشاء ، في المسجد إذا بيـد غليظة تمسك كتفي انها ذات اليد التي امسكت بعنقي قبل سنين ، انه نفس الوجه ، ونفس التقاطيع ، ونفس الفم الذي اكرمني بما لا استحق ولكن ؟!! هناك تغيراً كبيراً ! الوجه العابس ، أضحى منكسراً ، التقاطيع الغاضبة ، امست ذليلة هادئة ، والجسم هدته الالام والهموم ، والجسد أضعفته الأحزان والهموم ، اهلا يا عم قبلت رأسه ورحبت به ، وأخذنا زاوية في المسجد ، انفجر باكياً !!!!!!! ، سبحان الله ، ما كنت أظن ذلك الجبل سوف يصبح في يوم من الايام سهلاً ، ولا ذلك البحر الهادر ،، يمسي غديراً منسابا * تكلم يا عم واخرج ما في نفسك ،، كيف حال خالد ؟ * خالد !! وكأن بكلمتي هذه قد غرست في احشاءه خنجراً ، واودعت في فؤاده سكيناً تنهد بعمق ومضى يقول اصبح خالد يا بني ، ليس خالداً الذي تعرفه ، ليس خالد الفتى الطيب الهادئ الوديع ، منذ ان خرج من عندكم ، تعرف على شلة من شلل الفساد ، فهو اجتماعي بطبعه ، وهو في سن يحب فيها ان يخرج ويدخل ويلهو ويلعب بدأ بالدخان ، شتمته وضربته ، لا فائدة فقد تعود جسمه على الضرب ، واستساغت اذناه الشتائم والسباب ، كبر بسرعة ، كان يسهر معهم طويلاً ، لا يأتي إلا مع خيوط الفجر ، طرد من المدرسة ، أصبح يأتينا في بعض الليالي وكلامه ليس ككلامه ، ووجه لي كوجهه ، لسانٌ يهذي ، ويـدٌ ترتعش ، اصبح جسماً مهترئاً ضعيفاً ، تغير ذلك الوجه الابيض النقي ، اصبح وجهاً اسوداً عليه غبار الخطيئة والضياع ، وتغيرت تلك العينان الصافيتان الخجولتان ، اصبحت حمراء كالنار ، وكأن ما يشربه او يتناوله تبدو عاقبته على عينيه في الدنيا قبل الاخرة ، ذهب ذلك الخجل والاستحياء ، وحلت مكانه الرعونة وسؤ الادب ، ذهب ذلك القلب الطيب البار ، واستحال قلباً قاسياً كالصخر أو أشد ، اصبح لا يمر يوم إلا ويشتمني ، أو يركلني ، او يضربني ، تصور يا بني ، أنا أبوه ويضربني !!! ثم عاود البكاء الحار ، ونحيبه المر ، ثم مسح دموعه ، ارجوك يا بني ، يا سلمان ، زوروا خالد ، خذوه معكم ، سوف اسمح لكم ، بيتي مفتوح أمامكم ، مرّوا عليه ، انه يحبكم ، سجلوه في حلقة تحفيظ القرآن ، خذوه معكم في رحلاتكم ، لا مانع عندي ابداً بل انني راض ان يعيش في منازلكم ، وينام معكم ، المهم ،، المهم ان يرجع خالد كما كان ، ارجوك يا بني اقبل يديك ، والثم رجليك ،، ارجوك ،، ارجوك ومضى في بكائه ونحيبه ، وحسراته ، حتى انهى ذلك كله فقلت له يا عم ، ذلك رزعك .. وهذا حصادك ورغم ذلك سـوف أحاول
|
![]() |
|
|
![]() |