![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() 76 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان : ( لماذا السفر ) ألقاها الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة حصريــاً لبيتنا و لتجمع المجموعات الإسلامية الشقيقة و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب ================================================== ================================ 76 - خطبتى الجمعة بعنوان ( لماذا السفر ) الحمد لله تعظم ملكوته فاقتدر ، و عز سلطانه فقهر ، و أشهد أن لا إله إلا الهه وحده لا شريك له أمرنا بتقواه في الحضر و السفر ، و أشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله و رسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله السادة الغرر ، و التابعين و من تبعهم بإحسان و سلم تسليماً كثيراً . أمّــا بــعــد : فيا عباد الله ، خيرُ الوصايا الوصيّة بتقوى ربِّ البرايا ، فتقواه سبحانه أنفع الذخائر للمسلم و أبقاها ، و آكدُ المطاب و أقواها ، في قفوها منازلُ الحقّ و التوفيق ، و في التزامها الاهتداء إلى الرأي الثاقبِ الوثيق ، فاتقوا الله ـ رحمكم الله ـ في كلّ أحوالكم ، في حلّكم و ارتحالكم، و ظعنِكم و انتقالكم ، و مَن تنكّب سواء التقوى انقلب خاسئًا و هو حسير ، فلبئس المولى و لبئس العشير. أيها المسلمون : ما أكثر ما يسافر الناس لشؤون حياتهم ! مادية أو معنوية ، و لقد سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم مرات و مرات ، إبّان شبابه قبل البعثة ، و بعد نبوته ما بين حج و عمرة ، و جهاد و تجارة . و السفر غالباً يعري الإنسان من الأقنعة التي كانت تحجب طبيعته ، و ما سمي السفر سفرا إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، و لذا فإن السياحة في الأرض , و التأمل في عجائب المخلوقات ، مما يزيد العبد معرفة بربه ـ عز و جل ـ ، و يقينا بأن لهذا الكون مدبرا ، لا رب غيره و لا معبود بحق سواه . فالمسافر يتأمل ثم يتدبر ثم يخشى ، كل ذلك حينما يرى عجيب صنع الله و عظيم قدرته { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [النمل:88] . و لقد أنكر الله ـ سبحانه ـ على من فقد هذا الإحساس المرهف بقوله { وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف:105]. السفر عباد الله معترى بحالتين اثنتين : حالة مدح و حالة ذم ؛ فالخروج من الملل و السآمة و الضيق و الكآبة من الناس و المكان للتأمل في خلق الله ، أو طلب علم نافع ، أو صلة قريب أو أخ في الله هو سمة السفر الممدوح ، و هو مذموم أيضا ، من جهة كونه محلا للمشاق و المتاعب ؛ لأن القلب يكون مشوشا و الفكر مشغولا من أجل فراق الأهل و الأحباب ؛ و لذا قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم : (( السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم طعامه و شرابه و نومه ، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله )) [رواه البخاري و مسلم] . و المراد بالعذاب ـ عباد الله ـ ، الألم الناشئ عن المشقة ، لما يحصل في الركوب و السير من ترك المألوف . و لقد ذهب بعض أهل العلم كالخطابي و غيره ، إلى أن تغريب الزاني ، إنما هو من باب الأمر بتعذيبه ـ و السفر من جملة العذاب ـ و لقد سئل إمام الحرمين : لم كان السفر قطعة من العذاب ؟ فأجاب على الفور : لأن فيه فرقة الأحباب . إخوةَ العقيدة ، إنّ السفر الذي احتُسب فيه الأجر و الثواب و حُرِص فيه على الطاعة لهو بحقّ روضة للعقول , و بلوغ للأنس المأمول ، و هو مَجْلاة للسّأمة ، و بُعدٌ عن الرّتابة و النمطيّة ، و فضاءٌ رحب للاعتبار و الادكار ، { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } [العنكبوت:20] . إبّان السفر تتجلّى عظمة الخالق البارئ سبحانه ، فتخشعُ له القلوب أمام بديع السموات و الأرض، أمامَ بديع خلقِ الطبيعة الخلاّبة , و تسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذّابة ، أراضٍ شاسعةٌ فسيحة ، أنبتت أجملَ زهر بأطيب ريح ، { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } [النمل:60] ، { أَمَّن جَعَلَ ٱلأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } [النمل:61]. فسبحان الله عباد الله ، مشاهدُ في الطبيعة ذائعة ، و مخلوقات بديعة تدهِش الألباب ، و في إتقانها العجب العجاب ، تفعِم النفسَ و القلب مسرّة و ابتهاجًا ، لكن شريطةَ أن تكونَ على ممسٍّ من القلب و الروح و الفكر . و سبحانَ الله ، كم يغلب على كثير من الناس أن يمرّوا بهذه المناظر و كأنهم إزاءَها دونَ نواظر ، { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } [الحج:46] . يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله : " فنعوذ بالله من عيونٍ شاخصة غير بصيرة ، و قلوب ناظرةٍ غير خبيرة ". إخوة الإيمان ، و من الحثّ اللّطيف على السفر النافع المفيد قولُ الثعالبي رحمه الله : " من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار و بدائع الأقطار و محاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى , و يدعوه شكرًا على نعمه " . و هل بلغ الصحابة الأجلاء و السلف الصالح ما بلغوا مِن ذُرى القمَم و قصَب السبق بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث و تحصيل العلوم و المعارف . أيها المصطافون ، أيها المسافرون ، يا مَن عزمتم على جَوْب الأمصار و الأقطار و ركوب الأجواء و البحار و اقتحام الفيافي و القفار و تحدي الشدائد و الأخطار , تلبّثوا مليًّا ، و تريّثوا فيما أنتم بسبيله ، و ليكن في نواياكم أسوتكم و نبيكم صلى الله عليه و سلم ، حيث ارتحل من مكّة إلى المدينة ، حاملاً النورَ و الضياء و الهدى و الإصلاح ، و كذلك صحابته الكرامُ في أثره ، حيث كانوا لنشر رسالتهم الربانية المشرقة أجلَّ السفراء ، و سار في ركابهم جِلّة العلماء ، فشقّوا الأرضَ شقًّا ، و ذرعوها سفرًا و تسيارًا ، طلبًا للعلم و الإفادة و الصلاح و السعادة ، و تصعّدًا في مراقي الطّهر و النّبل ، كلّ ذلك على كثرة المخاوف و شُحّ الموارد و خشونة المراكب و قلّة المؤانس , فهلاّ اعتبرنا بهم و شكرنا الباري جلّ في علاه على نعمِه السوابغ . ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ ، أن السفر في هذه الآونة ، يختلف عن السفر في قرون مضت ، فقد مهدت الطرق ، و جرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة ، فهي تسير بهم على الأرض إن شاءوا أو تقلّهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا ، أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا ، كما أن الأزمنة قد تقاصرت ، فما كان يتم في شهور بشق الأنفس ، أضحى يتم في أيام قصيرة بل ساعات قليلة ، و بجهود محدودة بل و ربما عطس رجل في المشرق فشمته آخر في المغرب ، و هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه و سلم من أن تقارب الزمان من علامات الساعة كما عند البخاري في صحيحه . و مع هذه الراحة الميسرة فإن الأخطار المبثوثة هنا و هناك لم تنعدم ، ففي الجو يركب المرء طائرة يمتطي بها صهوة الهواء ، معلقا بين الأرض و السماء ، بين مساومة الموت و مداعبة الهلاك فوق صفيحة مائجة ، قد يكون مصيره معلقا بأمر الله في خلخلة مسمار أو إعطاب محرك ، لاسمح الله . مما يؤكد الاحتماء بالله و ارتقاب لطفه المترجم بلزوم آداب السفر ، و البعد عن معصية الله في هوائه بين سمائه و أرضه ، و المستلزمة وجوبا ، إقصاء المنكرات من الطائرات ، و التزام الملاحين و الملاحات بالحشمة و العفاف و البعد عما يثير اللحظ أو يستدعي إرسال الطرف ، و إن تعجب ـ أيها المسلم ـ ، فعجب ما يفعله مشركو زمان النبي صلى الله عليه و سلم من اللجوء إلى الله في الضراء { فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت:65] . و بعض عصاة زماننا سراؤهم و ضراؤهم على حد سواء ، فقبح الله أقواما ؛ مشركو زمان النبي صلى الله عليه و سلم أعلم بلا إله إلا الله منهم . أيها المسلمون ، إن التقارب في الزمان و المكان بما هيأ الله من أسباب السرعة ، لهو نعمة عظيمة و رحمة جُلَّى ، تستوجبان الشكر للخالق و الفرار إليه ، في مقابل التذكر ، فيما فعله الله ـ جل و علا ـ بقوم سبأ الذين كانوا في نعمة و غبطة ، من تواصل القرى ، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد و لا ماء { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـٰهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءامِنِينَ } [سبأ:18] . و لكن لما بطروا نعمة الله و مالت نفوسهم إلى ضد حالهم { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } [سبأ:19] . ففرق الله شملهم بعد الاجتماع ، و باعد بينهم بعد التقارب ، حتى صاروا مضرب المثل ؛ و لهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا : تفرقوا أيدي سبأ . و بعدُ ـ عباد الله ـ ، فإن من أعظم فوائد السفر ، و أكثرها تعلقا بالله ، معرفةَ عظمته و قدرته ، بالنظر إلى ما ابتدعه ـ جل و علا ـ ، خلقا جميلا عجيبا ، من حيوان و نبات ، و ساكن و ذي حركات ، و ماذرأ فيه من مختلف الصور التي أسكنها أخاديد الأرض ، و خروق فجاجها ، و رواسي أعلامها ، من أوتاد و وهاد ، فصار فيها جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود ، و من ذوات أجنحة مختلفة ، و هيئات متباينة { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰ } [النازعات:26] . كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة ، و نسقها على اختلافها بلطيف قدرته و دقيق صنعه ، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ، و منها مغموس في لون صبغ ، قد طوِّق بخلاف ما صبغ به { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلاْنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } [فاطر:28] . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |