![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير لنشر و إعادة الأخلاق الإسلامية الحقيقية للأسرة |
![]() |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() ومن جهة أخرى ، فإن صيغة المضارع في هذا المقام ، تُنْبِىءُ عمَّا كان ، و تُومِىءُ إلى ما يكون بالنسبة لخلق الله تعالى المستمر في المستقبل ؛ كما كان في الماضي . ولكن هذا الذي قرَّروه - وإن كان يبدو لأول وهلة قولاً صحيحًا – هو خلافُ الظاهر، ويأباه نظم الكلام و معناه . وبيانه : أن قول الله تعالى للشيء { كُنْ } لا يقتضي وقوع ذلك الشيء في الحال ؛ إذ قد يكون الأمر موقوتًا بوقت، أو يكون متعلقًا بأسباب لا بدَّ أن يقترن حدوثه بها. وهذه الأسباب لا متعلَّق لها بقدرة الله ؛ و إنما مُتعلَّقُها بالشيء ذاته الذي دعته القدرة إلى الظهور، والذي قضت حكمة الله ألَّا يظهر ؛ إلا بعد أن يستكمل أسبابه المقترنة به، وهذا ما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 82 ]. وذلك الشيء المراد معلومٌ قبل إبداعه، وقبل توجيه هذا الخطاب إليه. وبذلك كان مُقدَّرًا مَقضِيًّا ؛ فإن الله سبحانه يقول، ويكتب ممَّا يعلمه ما شاء ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحة عن عبد الله بن عمر: ( إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ). وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( كان الله ، ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ). و في سنن أبي داود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال : رب وماذا أكتب ؟ قال : أكتب مقادير كل شئ حتى تقم الساعة ). إلى أمثال ذلك من النصوص التي تبيِّن أن المخلوق قبل أن يخلَق، كان مَعلومًا، مُخْبَرًا عنه ، مَكتوبًا فيه شيء، باعتبار وجوده العلمي الكلامي الكتابي، وإن كانت حقيقته التي هي وجوده العيني، ليس ثابتًا في الخارج ؛ بل هو عدمٌ مَحضٌ ، و نَفْيٌ صِرفٌ . و إذا كان كذلك ، كان الخطاب مُوَجَّهًا إلى من توجهت إليه الإرادة ، و تعلقت به القدرة و خُلِق ، ثم كُوِّن ؛ كما قال تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل :40 ] . فالذي يُقال له : { كُنْ } هو الذي يُرادُ. وهو حين يُرادُ قبل أن يُخلَق، له ثُبوتٌ وتَميُّزٌ في العلم و التقدير . ولولا ذلك، لما تميَّز المُرَادُ المَخلوقُ من غيره . فثبت بذلك أن الله تعالى ، إذا أراد أن يْكوِّن شيئًا معلومًا لديه، توجَّه سبحانه إلى ذلك الشيء بالخطاب بقوله : { كُنْ }، { فَيَكُونُ }. أي: يوجد ذلك المُكَوَّنُ عَقِبَ التكوين ، لا مع ذلك في الزمان ؛ ولهذا أتى سبحانه بصيغة الاستقبال مسبوقة بفاء التعقيب. وكونُ الفاء للتعقيب يُوجِبُ أن يكون الثاني عَقِبَ الأول، لا معه . بقي أن تعلم أن ( الفاء ) تفيد التعقيبَ ، و التسبيبَ . فلو قيل : ( كن، فكان ) ، لم تدلَّ الفاء إلا على التسبيب ، وأن القول سببٌ للكون . |
#2
|
|||
|
|||
![]() فلما قال عز وجل: { كُنْ فَيَكُونُ }، [ آل عمران : 59 ] دلَّت الفاء مع التسبيب على استعقاب الكون للأمر . و هذا لا يعني استعقابه في الحال ، من غير مهلة ؛ لأن بناء المضارع لا يدل بصيغته على الحال ، إذا لم يوجد معه قرينة تقيده به ، وتقصره عليه ؛ و إلا فإنه يدل على الدوام والاستمرار بلا انقطاع ؛ لأنه موضوع لما هو كائن ، لم ينقطع . وعليه فإن بناء الفعل ( يكون ) لا يدل بصيغته على الحال ؛ و إنما يدل على المستقبل المتراخي . و هذا يعني أن آدم خلق وسُوِّيَ بشرًا من تراب الأرض وطينها ، ثم صاِر إنسانًا عاقلاً بنفخ الروح فيه ؛ وذلك هو المراد بقوله تعالى : { كُنْ فَيَكُونُ }، [ آل عمران : 59 ] بعد ذلك أمرت الملائكة بالسجود له، وهذا ما نصَّت عليه الآية الكريمة : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) } [ ص : 71 - 72 ] . و الآية الكريمة : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) } [ الحجر : 28 - 29] ولو امتثل الناس قول الله تعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ العنكبوت : 20 ] ، لعرفوا كيف ابتدأ الخلقُ ، ولو عرفوا، ما اختلف اثنان منهم في تفسير هذه الآية الكريمة، وغيرها من الآيات التي لا تنطق بالحق إلا لمن استنطقها من أولي النهى والبصائر ؛ كقول الله تبارك و تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) } [ السجدة : 7 - 8 ] . و قوله جل وعلا : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } [ المؤمنون : 12- 13 } إلى غير ذلك من الآيات التي نمر عليها ، ونحن عنها غافلون . رابعًا - ثم بين تعالى أن ما أخبر به عباده في أمر عيسى - عليه السلام – هو الحق الذي لا يحوم حوله باطلٌ ، فقال سبحانه : { الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ } . [ آل عمران : 60 ] فـ{ الْحَقُّ } على هذا خبر لمبتدأ محذوف. أي: ذلك النبأ في أمر عيسى عليه السلام { الْحَقُّ }، فحذف ؛ لكونه معلومًا . و{ مِن رَّبِّكَ } حال من الحق.. و قيل : هو مبتدأ، استؤنف بعد انقضاء الكلام، وخبره قوله تعالى: { مِن رَّبِّكَ } [ آل عمران : 60 ] وهذا كما تقول : الحق من الله، والباطل من الشيطان . وقيل غير ذلك . أما الامتراء فهو الشك الذي يدفع الإنسان إلى المجادلة المَبْنيَّة على الأوهام ، لا على الحقائق ؛ ومنه : المِراء . قال تعالى : ﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ أَحَدًا ﴾ [ الكهف : 22 ] ، وأَصله في اللغة : الجِدال ، وهو مأخوذ من قول العرب : مَرَيْتُ الناقة والشاة، إذا أردت حلبها ؛ فكأن الشاكَّ يجتذب بشكِّه مراءً كاللبن الذي يجتذب عند الحلب . يقال : قد مارى فلان فلانًا ، إذا جادله ؛ كأنه يستخرج غضبه . و منه قيل : الشكر يمتري المزيد . أي: يجلبه . |
#3
|
|||
|
|||
![]() و قد أكد سبحانه وتعالى أن ما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم هو الحق بتأكيدات ثلاثة : أولها: التعريف في لفظ { الْحَقُّ } أي: ما أخبرناك به هو الحق الثابت الذي لا يخالطه باطل. وثانيها: كونه من عند الله تعالى . و كل شيء من عنده سبحانه فهو صدق، لا ريب فيه. وثالثها: النهى عن الامتراء والشك في ذلك الحق ؛ لأن من شأن الأمور الثابتة أن يتقبلها العقلاء بإذعان و تسليم وبدون جدل، أو امتراء .و أما النَّهْيُ عن الامتراء في قوله تعالى : { فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ } [ آل عمران : 60 ] فهو موجَّه في ظاهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال الرازي: [ و هذا بظاهرة يقتضي أنه كان شاكًا في صحة ما أنزل عليه ؛ وذلك غير جائز . واختلف الناس في الجواب عنه: فمنهم من قال: الخطاب، و إن كان ظاهره مع النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أنه في المعنى مع الأمة. والثاني: أنه خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ، والمعنى : فدُمْ على يقينك ، وعلى ما أنت عليه من ترك الامتراء] وقال الألوسي : [ ولا يضر فيه استحالة وقوع الامتراء منه صلى الله عليه وسلم، بل ذكروا في هذا الأسلوب فائدتين : إحداهما : أنه صلى الله عليه وسلم، إذا سمع مثل هذا الخطاب، تحركت منه الأريحية ، فيزداد في الثبات على اليقين نورًا على نور . والفائدة الثانية : أن السامع يتنبه بهذا الخطاب على أمر عظيم ، فينزع و ينزجر عمَّا يورث الامتراء ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم، مع جلالته التي لا تصل إليها الأماني، إذا خوطب بمثله، فما يظن بغيره ؟ ففي ذلك ثبات له صلى الله عليه وسلم، ولطف بغيره ] وقيل: بل المقصود من هذا النهي : التعريض بالنصارى الذين قال الله تعالى فيهم : } ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ { [ مريم : 34 ] والله تعالى أعلم بمراده ، وما ينطوي عليه كلامه من أسرار، سبحانه و تعالى ! |
![]() |
|
|
![]() |