![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير لنشر و إعادة الأخلاق الإسلامية الحقيقية للأسرة |
![]() |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() فإذا ثبت أنه وصف كلامهم ، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم، صح أن يوصف الشيء المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة . وهذان الجوابان أسدُّ عندي من جواب بعض المتكلمين عنه ، بأن عجز الإنس عن القرآن يثبت له حكم الإعجاز، فلا يعتبر غيره . ألا ترى أنه لو عرفنا من طريق المشاهدة عجز الجن عنه، فقال لنا قائل : فدلّوا على أن الملائكة تعجز عن الإتيان بمثله ، لم يكن لنا في الجواب غير هذه الطريقة التي قد بيناها . وإنما ضعّفنا هذا الجواب لأن الذي حُكي و ذكر عجزُ الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فيجب أن نعلم عجز الجن عنه ، كما علمنا عجز الإنس عنه و لو كان وصف عجز الملائكة عنه ، لوجب أن نعرف ذلك أيضاً بطريقه . فإن قيل : أنتم قد انتهيتم إلى ذكر الإعجاز في التفاصيل ، وهذا الفصل إنما يدل على الإعجاز في الجملة ؟ قيل : هذا كما أنه يدل على الجملة ، فإنه يدل على التفصيل أيضاً ، فصح أن يلحق هذا القبيل ، كما كان يصح أن يُلحق بباب الجمل . 6- ومعنى سادس : وهو أن ينقسم عليه الخطاب ، ومن البسط و الاقتصار ، والجمع والتفريق ، والاستعارة و التصريح ، والتجوز والتحقيق ، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم ، موجود في القرآن . وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم ، في الفصاحة و الإبداع و البلاغة و قد ضمنا بيان ذلك [ من ] بعدُ ، لأن الوجه ههنا ذكر المقّدمات ، دون البسط والتفصيل . 7- ومعنى سابع : وهو أن المعاني التي تضمنها ، في أصل وضع الشريعة و الأحكام ، والاحتجاجات في أصل الدين ، الردّ على الملحدين ، على تلك الألفاظ البديعة ، وموافقة بعضها بعضاً في اللطف و البراعة ، مما يتعذر على البشر ويمتنع وذلك أنه قد علم أن تخير الألفاظ للمعاني المتداولة المألوفة ، والأسباب الدائرة بين الناس ، أسهل وأقرب من تخير الألفاظ لمعانٍ مبتكرة ، وأسباب مؤسسة مستحدثة . فإذا برع اللفظ في المعنى البارع ، كان ألطف وأعجب من أن يوجد اللفظ البارع في المعنى المتداول المتكرّر ، والأمر المتقرّر ، المتصوّر ، ثم أنضاف إلى ذلك التصرفُ البديع في الوجوه التي تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه ، ويراد تحقيقه ، بأن التفاصيل في البراعة والفصاحة ، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعنى ، والمعاني وفقها ، لا يفضل أحدهما على الآخر ، فالبراعة أظهر و الفصاحة أتم . 8-ومعنى ثامن : وهو أن الكلام يتبين فضله و رجحان فصاحته ، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام ، أو تقذف ما بين شعر ، فتأخذها الأسماع ، وتتشوّف إليها النفوس ، ويرى وجه رونقها بادياً غامراً سائراً ما تقرن به ، كالدرّة ، التي ترى في سلك من خرز ، و كالياقوتة في واسطة العقد . وأنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير وهي غرّة جميعه ، وواسطة عقده ، والمنادي على نفسه بتميزه وتخصصه ، برونقه و جماله ، واعتراضه في حسنه و مائة ، وهذا الفصل أيضاً مما يحتاج فيه إلى تفصيل وشرح و نص ، ليتحقق ما ادّعيناه منه . ولولا هذه الوجوه التي بيناها لم يتحير فيه أهل الفصاحة ، ولكانوا يفزعون إلى التحمل للمقابلة ، والتصنع للمعارضة ، وكانوا ينظرون في أمرهم ، ويراجعون أنفسهم ، أو كان يراجع بعضهم بعضاً في معارضته ويتوقفون لها . فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك علم أن أهل المعرفة منهم بالصنعة إنما عدلوا عن هذه الأمور ، لعلمهم بعجزهم عنه ، و قصور فصاحتهم دونه . ولا يمتنع أن يلتبس على من لم يكن بارعاً فيهم ، ولا متقدماً في الفصاحة منهم ، هذا الحال حتى لا يعلم إلا بعد نظر وتأمل ، وحتى يعرف حال عجز غيره . إلا أنا رأينا صناديدهم وأعيانهم ووجوههم سلموا ولم يشتغلوا بذلك ، تحقيقاً بظهور العجز و تبيناً له . وأما قوله تعالى حكاية عنهم : {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَهَـذَا} [ الأنفال : 31 ] فقد يمكن أن يكونوا كاذبين فيما أخبروا به عن أنفسهم ، [ وقد يمكن أن يكون قاله منهم أهل الضعف في هذه الصناعة دون المتقدمين فيها ] ، وقد يمكن أن يكون هذا الكلام إنما خرج منها ، وهو يدل على عجزهم . ولذلك أورده الله مورد تقريعهم ، لأنه لو كانوا على ما وصفوا به أنفسهم لكانوا يتجاوزون الوعد إلى الإنجاز ، والضمان إلى الوفاء ، فلما لم يفعلوا ذلك ـ مع استمرار التحدّي وتطاول زمان الفسحة في إقام الحجة عليهم بعجزهم عنه ـ علم عجزهم ، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لم يقتصروا على الدعوى فقط . ومعلوم من حالهم وحَمِيّتهم أن الواحد منهم يقول في الحشرات والهوام والحيَّات وفي وصف الأزمَّة والأتساع والأمور و التي لا يؤبه لها ولا يحتاج إليها ، ويتنافسون في ذلك أشد التنافس ، ويتبجحون به أشد التبجح . فكيف يجوز أن تمكنهم معارضته لتكذيبه ، والذب عن أديانهم القديمة ، وإخراجهم أنفسهم من تسفيه رأيهم ، وتضليله إياهم ، والتخلص من منازعته ، ثم من محاربته و مقارعته ، ثم لا يفعلون شيئاً من ذلك ، وإنما يُحيلون أنفسهم على التعاليل ، و يعلّلونها بالأباطيل [ هذا محال ] . 9- ومعنى تاسع : وهو أن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفاً ، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفاً ، ليدل بالمذكور على غيره ، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم . والذي تنقسم إليه هذه الحروف على ما قسمه أهل العربية ، وبنوا عليها وجوههاً أقسام، نحن ذاكروها : فمن ذلك أنهم قسموها إلى حروف مهموسة ، وأخرى مجهورة . فالمهموسة منها عشرة : وهي الحاء ، والهاء ، والخاء ، والكاف ، والشين ، والثاء ، والفاء ، والصاد ، والسين . وما سوى ذلك من الحروف فهي مجهورة . و قد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور . وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء ، لا زيادة و لا نقصان . " المجهورة "معناه : أنه حرف أشبع الاعتماد في وموضعه ومنع أن يجري معه [ النفس ] حتى ينقضي الاعتماد و يجري الصوت . " والمهموس" : كل حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفّس . وذلك مما يحتاج إلى معرفته لتبنى عليه أصول العربية . وكذلك مما يقسمون إليه الحروف ، يقول إنها على ضربين : أحدهما حروف الحلق ، وهي ستة أحرف : العين ، و الحاء ، و المهموزة ، و الهاء ، و الخاء ، و الغبن . والنصف [الآخر] من هذه الحروف مذكورة في جملة الحروف التي تشتمل عليها الحروف المثبتة في أول السورة ، |
#2
|
|||
|
|||
![]() وكذلك تنقسم هذه الحروف إلى قسمين آخرين : أحدهما حروف غير شديدة ، وإلى الحروف الشديدة ، وهي التي تمنع الصوت أن يجري فيه ، وهي الهمزة ، والقاف والكاف و الجيم و الظاء والذال و الطاء والباء ، وقد علمنا أن نصف هذه الحروف أيضا هي مذكرة في جملة تلك الحروف التي بني عليها تلك السورة . ومن ذلك الحروف المُطبقة وهي أربعة أحرف ، وما سواها منفتحه ، فالمطبقة : الطاء و الظاء ، و الصاد ، و الضاد . وقد علمنا أن نصف هذه [ الحروف ] في جملة الحروف المبدوء بها في أوائل السور . وإذا كان القوم ـ الذين قسموا في الحروف هذه الأقسام لأغراض لهم في ترتيب العربية وتنزيلها بعد الزمان الطويل من عهد النبي صلى الله عليه و سلم ، رأوا مباني اللسان على هذه الجهة ، وقد نبه بما ذكر في أوائل السور على ما لم يذكر ، على حد التصنيف الذي وصفنا ـ دل على أن وقوعها الموقع الذي يقع التواضع عليه ، بعد العهد الطويل ، لا يجوز أن يقع إلا من الله عزّ وجلّ، لأن ذلك يجري مجرى علم الغيوب . وإن كان إنما تنبهوا على ما بني عليه اللسان في أصله على ما بني عليه اللسان في أصله ولم يكن لهم في التقسيم شيء وإنما التأثير لمن وضع أصل اللسان . فذلك أيضاً من البديع الذي يدل على أن أصل وضعه وقع موقع الحكمة التي يقصر عنها اللسان . فإن كان أصل اللغة توقيفاً فالأمر في ذلك أبين ، وإن كان على سبيل التواضع فهو عجيب أيضاً ، لأنه لا يصح أن تجتمع هممهم المختلفة على نحو هذا إلا بأمر من عند الله تعالى . و كل ذلك يوجب إثبات الحكمة في ذكر هذه الحروف على حد يتعلق به الإعجاز من وجه . وقد يمكن أن تعاد فاتحة كل سورة لفائدة تخصها في النظم ، إذا كانت حروفاً ، كنحو (الم) ، لأن الألف المبدوء بها هي أقصاها مطلعاً، واللام متوسطة، والميم متطرفة ، لأنها تأخذ في الشفة ، فنبه بذكرها على غيرها من الحروف ، وبين أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تتردّد بين هذين الطرفين . ويشبه أن يكون التصنيف وقع في هذه الحروف دون الألف ، لأن الألف قد تلغى ، وقد تقع الهمزة وهي موقعاً واحداً . 10- ومعنى عاشراً : وهو أنه سبيله ، فهو خارج عن الوحشيّ المستكرّه ، والغريب المستنكّر ، وعن الصنعة المتكلّفة . وجعله قريباً إلى الأفهام ، يبادِرُ معناه لفظه إلى القلب ، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس . وهو مع ذلك ممتنع المطلب ، عسير المتناول ، غير مطمع مع قربه في نفسه ، ولا مُوهمٍ مع دنوّه في موقعه أن يُقدّر عليه أو يُظفر به . فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذّل ، والقول المسفسف ، فليس يصحُّ ، أن تقع فيه فصاحةٌ أو بلاغة ، فيطلب فيه الممتنع ، أو يوضع فيه الإعجاز . ولكن لو وضع في وحشيّ مستكره ، أو غمر بوجوده الصنعة ، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف : لكان لقائل أن يقول فيه و يعتذر ، أو يعيب و يقرع . ولكنه أوضح منارة و قرَّب منهاجه ، و سهّل سبيله ، وجعله في ذلك متشابهاً متماثلاً ، و بيّن مع ذلك إعجازهم فيه . وقد علمت أن كلام فصحائهم وشعر بلغائهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر ، أو حشيّ مستكره ، و معان مستبعدة . ثم عدولهم إلى كلام مبتذّل و ضيع لا يوجد دونه في الرتبة ، ثم تحوّلهم إلى كلام معتدل بين الأمرين ، متصرف بين المنزلتين . فمن شاء أن يتحقق هذا نظر في قصيدة أمرؤ القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ونحن نذكر بعد هذا على التفصيل ما تتصرف إليه هذه القصيدة ونظائرها ومنزلتها من البلاغة ، ونذكر وجه فوت نظم القرآن محلها ، على وجه يؤخذ باليد ، و يُتناول من كثب ، ويُتصوَّر في النفس كتصور الأشكال . ليتبين ما ادعيناه من الفصاحة العجيبة للقرآن . واعلم أن من قال من أصحابنا : إن الأحكام معلله بعلل موافقة لمقتضى العقل جعل هذا وجهاً من وجوه الإعجاز ، وجعل هذه الطريقة دلالة فيه ، كنحو ما يعللون به الصلاة و معظم الفروض و أصولها . ولهم في كثير من تلك العلل طرق قريبة ، ووجوه تستحسن . وأصحابنا من أهل خراسان يولعون بذلك ، ولكن الأصل الذي يبنون عليه ، عندنا غير مستقيم . وفي ذلك كلام يأتي في كتابنا في الأصول . وقد يمكن في تفاصيل ما أوردنا من المعاني الزيادة و الإفراد ، فإنا جمعنا بين الأمور ، و ذكرنا المزية المتعلقة بها . وكل واحد من تلك الأمور مما قد يمكن اعتماده في إظهار الإعجاز فيه . فإن قيل : فهل تزعمون أنه معجز ، لأنه حكاية لكلام القديم سبحانه ، أو لأنه عبارة عنه . أو لأنه قديم في نفسه ؟ قيل : لسنا نقول بأن الحروف قديمة ، فكيف يصح التركيب على الفاسد ؟ ولا نقول أيضاً : إن وجه الإعجاز في نظم القرآن [ من أجل ] أنه حكاية عن كلام الله ، لأنه لو كان كذلك لكانت التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله عز جل معجزات في النظم والتأليف . وقد بيّنا أن إعجازها في غير ذلك ، وكذلك كان يجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة بنفسها و منفردها ، وقد ثبت خلاف ذلك. |
![]() |
|
|
![]() |