adnan
05-10-2013, 10:57 PM
الحمدُ لله لا يقول إلا حقًّا ، و لا يعِد إلا صِدقًا ، أحمدُه سبحانه و أشكره ،
من أطاعه فهو الأتقى ، و من عصاه فهو الأشقى .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ،
تبارك تدبِيرًا و أحسَن خلقًا ،
و أشهد أنّ سيّدنا و نبيَّنا محمّدًا عبد الله و رسوله ،
سيّدُ الخَلق طُرًّا و أرفعُهم ذِكرًا و أعظمُهم قدرًا ،
صلّى الله و سلّم و بارك عليه ، و على آله الأطهار
و أصحابه الأخيار من المهاجرين و الأنصار ،
و التابعين و من تبِعهم بإحسان ما تعاقبَ اللّيل و النهار .
فأوصيكم أيها الناس و نفسي بتقوى الله ،
فاتقوا الله رحمكم الله حيثما كنتم ، و قوموا بالأمر الذي من أجله خُلقتم ؛
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات:56] .
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }
[المؤمنون:115].
من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته ، و اشتدت عليه حسراته .
لا بد من وقفةٍ صادقةٍ مع النفس في محاسبةٍ جادةٍ ، و مساءلةٍ دقيقةٍ ،
فوالله لتموتن كما تنامون ، و لتبعثنَّ كما تستيقظون ، و لتجزون بما كنتم تعملون .
هل الأعمار إلا أعوام ؟ و هل الأعوام إلا أيام ؟ و هل الأيام إلا أنفاس ؟
و إن عمراً ينقضي مع الأنفاس لسريع الانصرام .
أفلا معتبر بما طوت الأيام من صحائف الماضين ؟ و قلَّبت الليالي من سجلات السابقين ؟
و ما أذهبت المنايا من أماني المسرفين ؟ كل نفس من أنفاس العمر معدود .
و إضاعة هذا ليس بعده خسارة في الوجود .
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا
وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا }
[آل عمران:30].
أيها المسلمون :
لا يزال الإنسان بخير ما كره الرذيلة و اشمأز من فعلها و تحرز من الوقوع فيها .
و تأملوا فى وصف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لمن وجد حلاوة الإيمان ٬
إنه يقول صلى الله عليه و سلم فى صفته
(.. أن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار )
و تأملوا قول
هند " زوج " أبى سفيان رضي الله تعالى عنهما حين قالت
[.. أوتزني الحرة ؟ ]
ذاك فى منطقها مستحيل لأن قاعدة السيادة فى خلق أية سيدة ، أنها حصان رزان ،
أكبر من أن تُسف أو تذل ، أو يطمع فيها وغد...
إن ضمائر الركع السجود فى صحو دائم ٬ و قد يقترب الشيطان منها فى ساعة نحس !
لينفث فى أفقها دخانه ٬ و فى هذه اللحظة الغائمة
يقول الله سبحانه:
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ *
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }
الأعراف201 ، 202
لكن هناك نفرا من الناس يجمعون بين الأضداد! فهم قد يؤدون العبادات الظاهرة ٬
و لكنهم يلمون بالخطايا و يستمرئون ستر الله عليهم فى الاستخفاء بالشر و الاستعلان بالخير ٬
و لعل أولئك هم المعنيون
بما رواه ثوبان رضى الله تعالى عنه
عن النبى صلى الله عليه و سلم قال
( لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء
فيجعلها الله هباء منثورا !!
قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا ٬ لا نكون منهم و نحن لا نعلم!
قال: أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون.
و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )
هؤلاء أناس غرهم حلم الله عليهم ، و جهل الخلق بهم ، فمضوا فى طريقهم بسيرة مزدوجة
٬ باطن قبيح و ظاهر مزوق .
و خطورة هؤلاء ترجع إلى سهولة الانخداع بهم و الوقوع فى شباكهم ٬
فإذا كان تاجرا حسبته أمينا و إذا كان موظفا حسبته شريفا ٬ و من الذى يستكشف البواطن ؟ ٬
و لذلك يقول الله فيهم
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً }
الفرقان 23
أحبتي الكرام :
لقد توافق وصف الكتاب و السنة لهؤلاء الناس و مصيرهم!
و يوم التغابن ستقع مقاصة رهيبة بين غرماء الدنيا ٬
بين الواتر و الموتور و الظالم و المظلوم ٬
و لن تكون التعويضات المطلوبة بضائع أو أموالا ٬ إنها الجنة أو النار .
عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
( أتدرون من المفلس ؟
قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع!
فقال: إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة ٬
و يأتي قد شتم هذا ٬ و قذف هذا ٬ و أكل مال هذا ٬ و سفك دم هذا ٬ و ضرب هذا ٬
فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته.
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه!
ثم طرح فى النار )
إن الكافرين بالله المنكرين للقائه يسخرون من هذا الحساب المرتقب.
روى أحمد عن خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه قال:
[ كنت رجلا قينا - أي حدادا - و كان لى عند `العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه ٬
فقال: لا و الله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ! وخباب من المسلمين المستضعفين ٬
و العاصى من رؤساء مكة ، فقال خباب: و الله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث.
قال العاصُ ساخرا: فإنى إذا مت ثم بعثت جئتنى
و لى هناك مال و ولد فأعطيك دينك!! ]
فأنزل الله سبحانه هذه الآيات
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً *
أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً *
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً *
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }
مريم 77 - 80
سينقلب إلى الله عريان مجرداًلا مال له و لا ولد بلا خل و لا خليل ،
وحيدا لا عزوة له و سيكلف بقضاء دينه فى النار
و بئس القرار و للمعاملات المالية شأن عند الله فإن من الناس من يستهين بحقوق الآخرين ٬
و يرى أن الحلال ما حل فى اليد ٬
بل منهم من يأخذ المال الجزل غير مبال بعاجلة أو آجلة فما مصير هؤلاء .
روت خولةُ بنت عامر امرأة
سيدنا حمزةَ سيدِ الشهداء رضي الله تعالى عنهما ، قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
( إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق
- أى يتصرفون فى أموال الناس بالباطل - فلهم النار يوم القيامة )
فهل يعي ذلك من أسسوا ثرواتهم من السحت ؟
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ،
فالسعيد من كان صلاح باطنه كصلاح ظاهره ،
و صفاء سريرته كنقاء علانيته ، جملوا قلوبكم بالتقوى كما تجملون أبدانكم باللباس ،
تذكروا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه ، و أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية ،
و أنه يعلم خائنة الأعين و ماتخفي الصدور .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
البقرة 284
بارك الله لي و لكم فى القرآن الكريم و نَفَعني الله و إيَّاكم بالقرآنِ العظيم
و بهديِ محمّد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم ، و أقول قولي هَذا ،
و أستَغفر الله لي ولَكم و لجميع المسلمين
فأستغفروه أنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله المستحق للحمد و الثناء ، له الخلق و الأمر ، يحكم ما يريد و يفعل ما يشاء ،
أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره و أعوذ بالله من حال أهل الشقاء .
و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الأسماء الحسنى ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله ، أفضل الرسل و خاتم الأنبياء ،
صلى الله و سلم وبارك عليه و على آله و أصحابه البررة الأتقياء
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها المسلمون :
فأعمالُ القلوبِ مِن أهمِّ الواجبات و أعظمِ القرُبات و أفضلِ الأعمال ،
فهي واجبةٌ مطلوبة كلَّ وقت و على جميعِ المكلَّفين ، و هي آكَد شعَب الإيمان ،
و صلاح الجسَد مرتبِط بصلاحِ القلب
كما في الحديثِ الصّحيح :
( ألا و إنَّ في الجسد مضغةً ، إذا صلَحت صلَح الجسد كلّه ،
و إذا فسَدت فسد الجسد كلّه ، ألا و هي القلب ) .
إنَّ عبوديّة القلبِ أعظمُ من عبوديّة الجوارح و أكثر و أدوَم ،
و صلاحُ حركاتِ جوارحِ العبدِ بحسَب صلاح حركاتِ قلبه ،
فإذا كان القلب سليمًا عامِرًا بمحبّة الله و محبّة ما يحبّه الله
و خشيةِ الله و خشيةِ الوقوع فيما يبغِضه الله صلَحت حركات جوارِحه كلِّها .
و أنظُروا رحمكم الله
في أمرَين عظيمَين لهما شأنٌ كبير في إصلاح البواطن و السرائر ،
تأمّلوا في صفتَي الإحسان و المراقبة .
أمّا الإحسان فهو لبُّ الإيمان و روحُه و كماله ،
بل إنَّ صفةَ الإحسان ـ رحمكم الله ـ تجمَع جميعَ خصالِ التعبُّد و رتبِها ،
فالعبادَات كلُّها منوطَة بالإحسان ،
فالإحسان جامعٌ لجميع شعَب الإيمان و أعمالِ القلوب ،
و كيف لا يكون ذلك
و قد بيّنه نبيّنا محمّد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بقوله :
( الإحسان أن تعبدَ الله كأنّك تراه ) .
فأحسِنوا حفِظكم الله
فإنّ الله يحبّ المحسنين ، و اجتهِدوا فرحمةُ الله قريبٌ من المحسنين ،
و أبشِروا فهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان ؟!
الإحسانُ أيها الإخوة في الله
يقتضي من المسلمِ إتقانَ العمل إتقانَ مَن يعلم علمَ اليقين
أنّ الله عزّ و جلّ مطّلعٌ عليه محيط به و محيطٌ بعمله .
أمّا المراقبة فهي عِلم القلبِ بقربِ الربّ، و مَن راقب اللهَ في سرِّه حفِظه في علانيّته ،
و مراقبةُ الله في الخواطر تحفَظ حركاتِ الظواهر .
هذا و اتقوا الله عباد الله
و أحسنوا التعاملَ مع الهموم تُفلِحوا ،
و حذارِ أن تكون همومكم من نسيجِ خيالكم و الواقع منها براء ،
و خذوا أمورَ الدنيا بأسهلِ ما يكون ، و غضّوا الطرفَ عن مُذكيات الهموم بالتغافل عنها ؛
فإن التغافل تسعة أعشار الحكمة .
و اعمَلوا على تخليص همّمكم من همّكم الدنيوي إلى همكم الأخروي ،
و إياكم و كثرةَ المعاصي فإنها كلاليب الهموم ، أجارنا الله و إياكم منها .
اللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا كلها ، ما ظهر منها و ما بطن
اللّهمّ و ارحمنا و أغفر لنا و تب علينا إنكَ أنت التواب الرحيم
هذا وصلّوا و سلّموا على من أمركم الله بالصلاة عليه في محكَم التنزيل
فقال جلَّ من قائل عليما :
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56]
اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك
سيدنا و نبيِّنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،
و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،
وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .
فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،
و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،
و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،
يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،
و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللّهمّ اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا
من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين
اللّهمّ أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم
اللّهمّ آمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم
و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت
و لا تنسونا من صالح دعاءكم .
من أطاعه فهو الأتقى ، و من عصاه فهو الأشقى .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ،
تبارك تدبِيرًا و أحسَن خلقًا ،
و أشهد أنّ سيّدنا و نبيَّنا محمّدًا عبد الله و رسوله ،
سيّدُ الخَلق طُرًّا و أرفعُهم ذِكرًا و أعظمُهم قدرًا ،
صلّى الله و سلّم و بارك عليه ، و على آله الأطهار
و أصحابه الأخيار من المهاجرين و الأنصار ،
و التابعين و من تبِعهم بإحسان ما تعاقبَ اللّيل و النهار .
فأوصيكم أيها الناس و نفسي بتقوى الله ،
فاتقوا الله رحمكم الله حيثما كنتم ، و قوموا بالأمر الذي من أجله خُلقتم ؛
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات:56] .
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }
[المؤمنون:115].
من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته ، و اشتدت عليه حسراته .
لا بد من وقفةٍ صادقةٍ مع النفس في محاسبةٍ جادةٍ ، و مساءلةٍ دقيقةٍ ،
فوالله لتموتن كما تنامون ، و لتبعثنَّ كما تستيقظون ، و لتجزون بما كنتم تعملون .
هل الأعمار إلا أعوام ؟ و هل الأعوام إلا أيام ؟ و هل الأيام إلا أنفاس ؟
و إن عمراً ينقضي مع الأنفاس لسريع الانصرام .
أفلا معتبر بما طوت الأيام من صحائف الماضين ؟ و قلَّبت الليالي من سجلات السابقين ؟
و ما أذهبت المنايا من أماني المسرفين ؟ كل نفس من أنفاس العمر معدود .
و إضاعة هذا ليس بعده خسارة في الوجود .
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا
وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا }
[آل عمران:30].
أيها المسلمون :
لا يزال الإنسان بخير ما كره الرذيلة و اشمأز من فعلها و تحرز من الوقوع فيها .
و تأملوا فى وصف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لمن وجد حلاوة الإيمان ٬
إنه يقول صلى الله عليه و سلم فى صفته
(.. أن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار )
و تأملوا قول
هند " زوج " أبى سفيان رضي الله تعالى عنهما حين قالت
[.. أوتزني الحرة ؟ ]
ذاك فى منطقها مستحيل لأن قاعدة السيادة فى خلق أية سيدة ، أنها حصان رزان ،
أكبر من أن تُسف أو تذل ، أو يطمع فيها وغد...
إن ضمائر الركع السجود فى صحو دائم ٬ و قد يقترب الشيطان منها فى ساعة نحس !
لينفث فى أفقها دخانه ٬ و فى هذه اللحظة الغائمة
يقول الله سبحانه:
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ *
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }
الأعراف201 ، 202
لكن هناك نفرا من الناس يجمعون بين الأضداد! فهم قد يؤدون العبادات الظاهرة ٬
و لكنهم يلمون بالخطايا و يستمرئون ستر الله عليهم فى الاستخفاء بالشر و الاستعلان بالخير ٬
و لعل أولئك هم المعنيون
بما رواه ثوبان رضى الله تعالى عنه
عن النبى صلى الله عليه و سلم قال
( لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء
فيجعلها الله هباء منثورا !!
قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا ٬ لا نكون منهم و نحن لا نعلم!
قال: أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون.
و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )
هؤلاء أناس غرهم حلم الله عليهم ، و جهل الخلق بهم ، فمضوا فى طريقهم بسيرة مزدوجة
٬ باطن قبيح و ظاهر مزوق .
و خطورة هؤلاء ترجع إلى سهولة الانخداع بهم و الوقوع فى شباكهم ٬
فإذا كان تاجرا حسبته أمينا و إذا كان موظفا حسبته شريفا ٬ و من الذى يستكشف البواطن ؟ ٬
و لذلك يقول الله فيهم
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً }
الفرقان 23
أحبتي الكرام :
لقد توافق وصف الكتاب و السنة لهؤلاء الناس و مصيرهم!
و يوم التغابن ستقع مقاصة رهيبة بين غرماء الدنيا ٬
بين الواتر و الموتور و الظالم و المظلوم ٬
و لن تكون التعويضات المطلوبة بضائع أو أموالا ٬ إنها الجنة أو النار .
عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
( أتدرون من المفلس ؟
قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع!
فقال: إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة ٬
و يأتي قد شتم هذا ٬ و قذف هذا ٬ و أكل مال هذا ٬ و سفك دم هذا ٬ و ضرب هذا ٬
فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته.
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه!
ثم طرح فى النار )
إن الكافرين بالله المنكرين للقائه يسخرون من هذا الحساب المرتقب.
روى أحمد عن خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه قال:
[ كنت رجلا قينا - أي حدادا - و كان لى عند `العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه ٬
فقال: لا و الله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ! وخباب من المسلمين المستضعفين ٬
و العاصى من رؤساء مكة ، فقال خباب: و الله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث.
قال العاصُ ساخرا: فإنى إذا مت ثم بعثت جئتنى
و لى هناك مال و ولد فأعطيك دينك!! ]
فأنزل الله سبحانه هذه الآيات
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً *
أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً *
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً *
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }
مريم 77 - 80
سينقلب إلى الله عريان مجرداًلا مال له و لا ولد بلا خل و لا خليل ،
وحيدا لا عزوة له و سيكلف بقضاء دينه فى النار
و بئس القرار و للمعاملات المالية شأن عند الله فإن من الناس من يستهين بحقوق الآخرين ٬
و يرى أن الحلال ما حل فى اليد ٬
بل منهم من يأخذ المال الجزل غير مبال بعاجلة أو آجلة فما مصير هؤلاء .
روت خولةُ بنت عامر امرأة
سيدنا حمزةَ سيدِ الشهداء رضي الله تعالى عنهما ، قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
( إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق
- أى يتصرفون فى أموال الناس بالباطل - فلهم النار يوم القيامة )
فهل يعي ذلك من أسسوا ثرواتهم من السحت ؟
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ،
فالسعيد من كان صلاح باطنه كصلاح ظاهره ،
و صفاء سريرته كنقاء علانيته ، جملوا قلوبكم بالتقوى كما تجملون أبدانكم باللباس ،
تذكروا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه ، و أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية ،
و أنه يعلم خائنة الأعين و ماتخفي الصدور .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
البقرة 284
بارك الله لي و لكم فى القرآن الكريم و نَفَعني الله و إيَّاكم بالقرآنِ العظيم
و بهديِ محمّد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم ، و أقول قولي هَذا ،
و أستَغفر الله لي ولَكم و لجميع المسلمين
فأستغفروه أنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله المستحق للحمد و الثناء ، له الخلق و الأمر ، يحكم ما يريد و يفعل ما يشاء ،
أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره و أعوذ بالله من حال أهل الشقاء .
و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الأسماء الحسنى ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله ، أفضل الرسل و خاتم الأنبياء ،
صلى الله و سلم وبارك عليه و على آله و أصحابه البررة الأتقياء
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها المسلمون :
فأعمالُ القلوبِ مِن أهمِّ الواجبات و أعظمِ القرُبات و أفضلِ الأعمال ،
فهي واجبةٌ مطلوبة كلَّ وقت و على جميعِ المكلَّفين ، و هي آكَد شعَب الإيمان ،
و صلاح الجسَد مرتبِط بصلاحِ القلب
كما في الحديثِ الصّحيح :
( ألا و إنَّ في الجسد مضغةً ، إذا صلَحت صلَح الجسد كلّه ،
و إذا فسَدت فسد الجسد كلّه ، ألا و هي القلب ) .
إنَّ عبوديّة القلبِ أعظمُ من عبوديّة الجوارح و أكثر و أدوَم ،
و صلاحُ حركاتِ جوارحِ العبدِ بحسَب صلاح حركاتِ قلبه ،
فإذا كان القلب سليمًا عامِرًا بمحبّة الله و محبّة ما يحبّه الله
و خشيةِ الله و خشيةِ الوقوع فيما يبغِضه الله صلَحت حركات جوارِحه كلِّها .
و أنظُروا رحمكم الله
في أمرَين عظيمَين لهما شأنٌ كبير في إصلاح البواطن و السرائر ،
تأمّلوا في صفتَي الإحسان و المراقبة .
أمّا الإحسان فهو لبُّ الإيمان و روحُه و كماله ،
بل إنَّ صفةَ الإحسان ـ رحمكم الله ـ تجمَع جميعَ خصالِ التعبُّد و رتبِها ،
فالعبادَات كلُّها منوطَة بالإحسان ،
فالإحسان جامعٌ لجميع شعَب الإيمان و أعمالِ القلوب ،
و كيف لا يكون ذلك
و قد بيّنه نبيّنا محمّد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بقوله :
( الإحسان أن تعبدَ الله كأنّك تراه ) .
فأحسِنوا حفِظكم الله
فإنّ الله يحبّ المحسنين ، و اجتهِدوا فرحمةُ الله قريبٌ من المحسنين ،
و أبشِروا فهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان ؟!
الإحسانُ أيها الإخوة في الله
يقتضي من المسلمِ إتقانَ العمل إتقانَ مَن يعلم علمَ اليقين
أنّ الله عزّ و جلّ مطّلعٌ عليه محيط به و محيطٌ بعمله .
أمّا المراقبة فهي عِلم القلبِ بقربِ الربّ، و مَن راقب اللهَ في سرِّه حفِظه في علانيّته ،
و مراقبةُ الله في الخواطر تحفَظ حركاتِ الظواهر .
هذا و اتقوا الله عباد الله
و أحسنوا التعاملَ مع الهموم تُفلِحوا ،
و حذارِ أن تكون همومكم من نسيجِ خيالكم و الواقع منها براء ،
و خذوا أمورَ الدنيا بأسهلِ ما يكون ، و غضّوا الطرفَ عن مُذكيات الهموم بالتغافل عنها ؛
فإن التغافل تسعة أعشار الحكمة .
و اعمَلوا على تخليص همّمكم من همّكم الدنيوي إلى همكم الأخروي ،
و إياكم و كثرةَ المعاصي فإنها كلاليب الهموم ، أجارنا الله و إياكم منها .
اللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا كلها ، ما ظهر منها و ما بطن
اللّهمّ و ارحمنا و أغفر لنا و تب علينا إنكَ أنت التواب الرحيم
هذا وصلّوا و سلّموا على من أمركم الله بالصلاة عليه في محكَم التنزيل
فقال جلَّ من قائل عليما :
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56]
اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك
سيدنا و نبيِّنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،
و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،
وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .
فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،
و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،
و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،
يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،
و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللّهمّ اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا
من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين
اللّهمّ أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم
اللّهمّ آمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم
و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت
و لا تنسونا من صالح دعاءكم .