المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الإعجاز التشريعي في الإسلام


adnan
05-10-2013, 10:08 PM
الأخت / الملكة نــــــــور


من الإعجاز التشريعي في الإسلام

إيجاب الدية على عاقلة القاتل



ورد سؤال عن الحكمة من إيجاب دية القتل الخطأ على أهل الجاني ،

مع أنه لا ذنب لهم ، فكانت الإجابة بما يلي :



تعريف الدية :



المال المؤدّى إلى مجنيٍّ عليه ، أو وليّه ، أو وارثه بسبب جنايةٍ .

تسمّى الدّية عقلاً أيضاً ، وذلك لوجهين :

أحدهما أنّها تعقل الدّماء أن تراق ، والثّاني أنّ الدّية كانت إذا وجبت

وأخذت من الإبل تجمع فتعقل ، ثمّ تساق إلى وليّ الدّم .



تعريف العاقلة :



عاقلة القاتل هم عصباته (الذكور من أقاربه) ،

فلا يدخل في العاقلة الإخوة لأم ولا الزوج ولا سائر ذوي الأرحام .

و يدخل في العصبة سائر العصبات مهما بعدوا ؛

لأنهم عصبة يرثون المال إذا لم كن وارث أقرب منهم ،

و لا يشترط أن يكونوا وارثين في الحال ،

بل متى كانوا يرثون لولا الحجب ، تجب عليهم الدية .



مقدارها :



حسب الأزهر:

جملة الدية 4250 جراماً من الذهب تُدفع عيناً لولي القتيل ،

أو قيمتها بالنقد السائد حسب سعر الذهب يوم ثبوت هذا الحق .



من أحكام الدية الواجبة على العاقلة :



- تجب الدية على العاقلة عند القتل الخطأ ، أما العمد فيتحملها الجاني وحده .



- تقسم الدية على العاقلة مع مراعاة الأقرب فالأقرب .



- أقصى زمن مسموح به لجمع الدية ثلاث سنوات .



- إذا كان الجاني صغيراً أو مجنونا فالدية الواجبة تحملها العاقلة

ولو تعمَّد الفعل ؛ لأنَّ عمدَ الصغير والمجنون خطأ لا عمد .



- لا تكلف العاقلة ما يشق عليها؛ لأنه لزمها من غير جناية،

بل على سبيل المواساة .



- مقدار ما يحمله كل فرد :

قال مالك و أحمد :

يترك الأمر للحاكم يفرض على كل واحد ما يسهل عليه و لا يؤذيه .



ليس على الفقير و لا المرأة ولا الصبي و لا المجنون دية ؛

لأن تحميل الفقير إجحاف به ،

و لأن المرأة و الصبي و المجنون ليسوا من أهل النصرة ،

و لكن هؤلاء إذا كانوا جناة يُعقل عنهم .



سبب تحميل العاقلة الدية :



هذا استثناء من القاعدة الشرعية



{ وَ لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }



فظروف الجناة والمجني عليهم هي التي سوغت هذا الاستثناء

وجعلت الأخذ به لازماً لتحقيق العدالة و المساواة ،

و لضمان الحصول على الحقوق ،

ويمكن تبرير هذا الاستثناء بالمبررات الآتية :

1 - لو أخذنا بالقاعدة العامة فتحمَّلَ كل مخطئ وزر عمله

لكانت النتيجة أن تنفذ العقوبة على الأغنياء و هم قلة ،

و لامتنع تنفيذها على الفقراء و هم الكثرة ،

ويتبع هذا أن يحصل المجني عليه أو وليه على الدية كاملة

إن كان الجاني غنياً ، و على بعضها أن كان متوسط الحال .

أما إذا كان الجاني فقيراً و هو كذلك في أغلب الأحوال

فلا يحصل المجني عليه من الدية على شيء ،

و هكذا تنعدم العدالة و المساواة بين الجناة

كما تنعدم بين المجني عليهم .



2 - إن الدية ـ و إن كانت عقوبة ـ إلا أنها حق مالي للمجني عليه

أو وليه ،

و قد روعي في تقديرها أن تكون تعويضاً عادلاً عن الجريمة ،

فلو أخذ بالقاعدة العامة و تحمَّل المتهم وحده الدية ،

لما أمكن أن يصل معظم المجني عليهم إلى الدية التي يحكم بها ؛

أن مقدار الدية أكبر عادة من ثروة الفرد .

إذ الدية الكاملة مائة من الإبل ،

و لاشك أن ثروة الفرد الواحد في أغلب الأحوال أقل بكثير من مقدار الدية الواحدة ،

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=13e89948bfbaa104&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)



فلو طبَّقنا القاعدة العامة وتحمَّلَ الجاني وحده وزر عمله

لكان ذلك مانعاً من حصول المجني عليهم على حقوقهم ،

فكان ترك القاعدة إلى هذا الاستثناء هو الضمان الوحيد الذي يضمن

وصول الحقوق المقررة إلى أربابه .

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=13e89948bfbaa104&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)



ملاحظة :

المجني عليهم في جرائم القتل العمد لا يتعرضون لمثل هذه الحالة؛

لأن العقوبة الأصلية هي القصاص،

و لا تستبدل بها الدية إلا إذا عفا المجني عليه ـ أو وليه ـ عن القصاص ،

ولن يعفو أحدهم عن القصاص إلا إذا كان ضامناً الحصول على الدية

فإذا عفا أحدهما عن القصاص و قبل الدية

ولم يكن مال الجاني كافياً لسداد الدية فذلك هو اختيار المجني عليه أو وليه ،

وليس لأحدهما أن يتضرر من هذا الوضع الذي وضع فيه نفسه .



3 -إن العاقلة تحمل الدية في جرائم الخطأ ،

و أساس جرائم الخطأ هو الإهمال وعدم الاحتياط ،

و هذان سببهما سوء التوجيه و سوء التربية غالباً ،

و المسؤول عن تربية الفرد وتوجيهه هم المتصلون به بصلة الدم .

فوجب لهذا أن تتحمل أولاً عاقلة الجاني نتيجة خطئه ،

و أن تتحمل الجماعة أخيراً هذا الخطأ كما عجزت العاقلة عن حمله .



و يمكننا أن نقول أيضاً :

إن الإهمال وعدم الاحتياط هو نتيجة الشعور بالعزة و القوة ،

وإن هذا الشعور يتولد من الاتصال بالجماعة ،

فالمُشاهَد أن من لا عشيرة قوية له يكون أكثر احتياطاً ويقظة ممن له عشيرة ،

وأن المنتمين للأقليات يكونون أكثر حرصاً من المنتمين للأكثريات .

وجب لهذا أن تتحمل العاقلة والجماعة نتيجة الخطأ

ما دام أنهما هما المصدر الأول للإهمال وعدم الاحتياط .



4 - إن نظام الأسرة ونظام الجماعة يقوم كلاهما بطبيعته على التناصر و التعاون ،

و من واجب الفرد في كل أسرة أن يناصر باقي أفراد الأسرة

ويتعاون معهم . و كذلك واجب الفرد في كل جماعة .

و تحميل العاقلة أولاً و الجماعة ثانياً نتيجة خطأ الجاني يحقق التعاون

و التناصر تحقيقاً تاماً ،بل أنه يجدده ويؤكده في كل وقت .

فكلما وقعت جريمة من جرائم الخطأ اتصل الجاني بعاقلته

واتصلت العاقلة بعضها ببعض وتعاونوا على جمع الدية وإخراجها من أموالهم .

ولما كانت جرائم الخطأ تقع كثيراً فمعنى ذلك أن الاتصال والتعاون و

التناصر بين الأفراد ثم الجماعة كل أولئك يظل متجدداً مستمراً .



5 - إن الحكم بالدية على الجاني وعلى عاقلته فيه تخفيف عن الجناة

و رحمة بهم و ليس فيه غبن و ظلم لغيرهم ؛

لأن الجاني الذي تحمل عنه العاقلة اليوم دية جريمته

ملزم بأن يتحمل غداً بنصيب من الدية المقررة لجريمة غيره من أفراد العاقلة ،

و ما دام كل إنسان معرضاً للخطأ فسيأتي اليوم الذي يكون فيه ما حمله فرد بعينه

عن غيره مساوياً لما تحمله هذا الغير عنه .



6 - إن القاعدة الأساسية في الشريعة هي حياطة الدماء

وصيانتها وعدم إهدارها،

والدية مقررة بدلاً من الدم وصيانة له عن الإهدار ،

فلو تحمل كل جانٍ وحده الدية التي تجب بجريمته وكان عاجزاً عن أدائها

لأهدر بذلك دم المجني عليه ،

فكان الخروج عن القاعدة العامة إلى الاستثناء واجباً

حتى لا تذهب الدماء هدراً دون مقابل .



و سبحان مَن هذه شريعته !



المرجع :



من كتاب التشريع الجنائي في الإسلام ،
للشهيد : عبد القادر عودة .