المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين التعمير والتدمير (2)


vip_vip
08-11-2010, 04:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مفارقات
بين التعمير والتدمير (2)
29 شعبان 1431 هـ، 9/8/2010م
أ.د. صلاح الدين سلطان
www.salahsoltan.com (http://www.salahsoltan.com/)

التعمير في الإسلام يجمع بين محاور ثلاثة: العمران العقدي في أرقى علاقة مع الله، والعمران الأخلاقي في أحسن تعامل مع الإنسان وكل كائن حي، والعمران المادي بزيادة الأشجار والثمار والمخترعات والابتكارات التي ترطب الحياة، وهو عمران يمتد من هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية لينقلب الإنسان من عمران الدنيا إلى نعيم الآخرة، وينتقل المسلم من عيش رغيد إلى قصر مشيد، (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ) (الواقعة: 30-33)، أما التدمير فهو إما تخريب وإفساد في الدنيا والآخرة أو تعمير الدنيا وإفساد الآخرة بأن يُعنى الإنسان بالعمران المادي مع التحلل الأخلاقي والفساد العقدي، مما يتبعه أن يكون الإنسان كما قال تعالى عن هؤلاء المترفين: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ* وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) (الواقعة: 41-46)، وشأن المسلم دائما أن يرى العمارة للدارين، كما نصح أهل العلم قارون فقالوا: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77)، لكنه اغتر بماله، واستغنى بعمرانه، فخسف الله به وبداره الأرض، وصار عبرة قرآنية على من يعمرون دنياهم ويُخربون آخرتهم، وهو النمط السائد في حياتنا وحضارتنا المادية المغرقة في الفساد الأخلاقي والانحراف العقدي، ومن هنا يأتي رمضان ليكون عمارة للنفس بتقوى الله (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف:26)، ولجام الهوى، خاصة في الشهوات الأربعة: الجنس، والطعام، والغضب، والكلام، ليعيش الإنسان مع نفسه وأهله وخِلاَّنه وجيرانه وأبناء وطنه وعالمه سِلمًا لدعاة التعمير، وحربا على قادة التدمير، الذين أسهروا ليلهم مع العري، والخمر، والأفلام والمسلسلات، والتخطيط للفساد والطغيان، وتركوا التراويح وقيام الليل، وهم في النهار جِيَفٌ تنام على ركام من الآثام، ويقومون من تزاحم أضغاث الأحلام، ليفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، والله لا يحب الفساد.
إن التعمير الحقيقي يبدأ من النفس بامتلاك ناصيتها، وحملها على إرضاء ربها، والإحسان إلى الكون كله حولها، فليكن رمضان تنشيطا لهذا العمران في النفس والأسرة والمجتمع والدولة والعالم، ولنقف بحزم أمام تدمير النفوس بالزحف وراء الشهوات، وارتكاب المنكرات والإعراض عن رب الأرض والسماوات.