المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوفود الواردين إلى الرسول


adnan
12-12-2013, 09:17 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
كتاب الوفود الواردين إلى رسول الله
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=142e701036e52688&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1

كتاب الوفود الواردين
إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:
‏ لما افتتح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة وفرغ من تبوك، وأسلمت
ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه‏.‏

قال ابن هشام‏:‏
حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع، وأنها كانت تسمى‏:‏ سنة الوفود‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏
وإنما كانت العرب تربص بإسلامها أمر هذا الحي من قريش، لأن قريشاً
كانوا إمام النَّاس وهاديتهم، وأهل البيت والحرم، وصريح ولد إسماعيل
بن إبراهيم، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت
الحرب لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخلافه، فلما افتتحت مكة، ودانت
له قريش ودوخها الإسلام، عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل
أفواجاً، يضربون إليه من كل وجه‏.‏
يقول الله تعالى لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏{ ‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ َفْوَاجاً *
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }‏
‏[‏النصر‏:‏ 1-3‏]‏‏.‏

أي‏:‏ فاحمد الله على ما ظهر من دينك، واستغفره إنه كان تواباً‏.‏
وقد قدمنا حديث عمرو بن مسلمة قال‏:‏ كانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح
فيقولون‏:‏ اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت
وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر- أي قومي - بإسلامهم، فلما
قدم قال‏:‏ جئتكم والله من عند النَّبيّ حقا، قال‏:‏ صلوا صلاة كذا في حين
كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم،
وليؤمكم أكثركم قرآنا، وذكر تمام الحديث، وهو في صحيح البخاري‏.‏

قلت‏:‏
وقد ذكر محمد بن إسحاق، ثم الواقدي والبخاري، ثم البيهقي بعدهم من
الوفود ما هو متقدم تاريخ قدومهم على سنة تسع، بل وعلى فتح مكة،
وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏

{ ‏لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ
أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا
وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ‏}
‏‏[‏الحديد‏:‏ 10‏]‏‏.‏

وتقدم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏(‏‏ يوم الفتح لا هجرة، ولكن جهاد ونية‏ )‏‏.‏

فيجب التمييز بين السابق من هؤلاء الوافدين على زمن الفتح ممن يعد
وفوده هجرة وبين اللاحق لهم بعد الفتح ممن وعد الله خيراً وحسنى،
ولكن ليس في ذلك كالسابق في الزمان والفضيلة، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/50‏)‏

على أن هؤلاء الأئمة الذين اعتنوا بإيراد الوفود قد تركوا فيما أوردوه
أشياء لم يذكروها، ونحن نورد بحمد الله ومنه ما ذكروه، وننبه على
ما ينبغي التنبيه عليه من ذلك، ونذكر ما وقع لنا مما أهملوه
إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان‏.‏

وقد قال محمد بن عمر الواقدي‏:‏
حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه، عن جده قال‏:‏ كان أول من وفد
على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مضر أربعمائة من مزينة، وذاك
في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الهجرة
في دارهم وقال‏:‏

‏(‏‏ ‏أنتم مهاجرون حيث كنتم، فارجعوا إلى أموالكم ‏‏)‏‏.‏

فرجعوا إلى بلادهم‏.‏

ثم ذكر الواقدي عن هشام بن الكلبي بإسناده‏:‏
أن أول من قدم من مزينة خزاعي بن عبد نهم ومعه عشرة من قومه،
فبايع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على إسلام قومه، فلما رجع إليهم
لم يجدهم كما ظنَّ فيهم فتأخرَّوا عنه، فأمر رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم حسان بن ثابت أن يعرض بخزاعي من غير أن يهجوه، فذكر أبياتاً،
فلما بلغت خزاعياً شكى ذلك إلى قومه، فجمعوا له، وأسلموا معه، وقدم
بهم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما كان يوم الفتح دفع رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم لواء مزينة - وكانوا يومئذ ألفاً - إلى خزاعي هذا،
قال‏:‏ وهو أخو عبد الله ذو البجادين‏.‏

وقال البخاري رحمه الله ‏(‏باب وفد بني تميم‏)‏‏:‏
حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن أبي صخرة، عن صفوان بن محرز
المازني، عن عمران بن حصين قال‏:‏ أتى نفر من بني تميم
إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏

‏( ‏اقبلوا البشرى يا بني تميم‏ ‏‏قالوا‏:‏ يا رسول الله قد بشرتنا فأعطنا،
فرؤي ذلك في وجهه‏.‏ثم جاء نفر من اليمن فقال‏:‏ ‏
اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم ‏‏قالوا‏:‏ قبلنا يا رسول الله‏.‏)

ثم قال البخاري‏:‏
حدَّثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبره
عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني
تميم على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال أبو بكر‏:‏
أمِّر القعقاع بن معبد بن زرارة‏.‏
فقال عمر‏:‏ بل أمِّر الأقرع بن حابس‏.‏
فقال أبو بكر‏:‏ ما أردت إلا خلافي‏.‏
فقال عمر‏:‏ ما أردت خلافك، فتماريا حتَّى ارتفعت أصواتهما،
فنزلت ‏

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏ }‏
‏[‏الحجرات‏:‏ 1‏]

‏ حتَّى انقضت‏.‏
ورواه البخاري أيضاً من غير وجه، عن ابن أبي مليكة بألفاظ أخرى،
قد ذكرنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى‏:‏ ‏

( ‏لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ‏ ‏‏)‏
‏[‏الحجرات‏:‏ 2‏]‏ الآية‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏
ولما قدمت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفود العرب، قدم عليه
عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التَّميمي في أشراف بني تميم منهم‏:‏
الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر التَّميمي - أحد بني سعد - وعمرو بن الأهتم،
والحتحات بن يزيد، ونعيم بن يزيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصم
أخو بني سعد في وفد عظيم من بني تميم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/51‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏
ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وقد كان الأقرع بن حابس،
وعيينة شهدا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتح مكة وحنين
والطَّائف، فلمَّا قدم وفد بني تميم كانا معهم، ولما دخلوا المسجد
نادوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد،
فآذى ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من صياحهم، فخرج إليهم‏.‏
فقالوا‏:‏ يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا‏.‏
قال‏:‏

‏(‏‏ ‏قد أذنت لخطيبكم، فليقل ‏‏)‏‏.‏

فقام عطارد بن حاجب فقال‏:‏
الحمد لله الذي له علينا الفضل والمنّ وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً،
ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزة أهل المشرق،
وأكثره عدداً، وأيسره عُدَّة، فمن مثلنا في النَّاس، ألسنا برؤس النَّاس،
وأولي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنَّا لو نشاء لأكثرنا
الكلام، ولكن نخشى من الإكثار فيما أعطانا، وإنَّا نعرف بذلك،
أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمرٍ أفضل من أمرنا‏.‏

ثمَّ جلس‏.‏فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث بن الخزرج‏:‏ ‏

(‏‏ قم فأجب الرَّجل في خطبته‏ ‏‏)‏‏.‏

فقام ثابت فقال‏:‏
الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه
علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثمَّ كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً،
واصطفى من خيرته رسولاً، أكرمه نسباً، وأصدقه حديثاً، وأفضله حسباً،
فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثمَّ دعا
النَّاس إلى الإيمان به، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه، وذوي
رحمه، أكرم النَّاس أحساباً، وأحسن النَّاس وجوهاً، وخير النَّاس فعالاً،
ثمَّ كان أول الخلق إجابة، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم نحن، فنحن أنصار الله وزراء رسوله، نقاتل النَّاس حتَّى
يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله
أبداً وكان قتله علينا يسيراً، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
وللمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم‏.‏

adnan
12-12-2013, 09:18 PM
فقام الزبرقان بن بدر فقال‏:‏
نـحـن الـكِـرام فــلا حــي iiيعادلـنـا منـا الملـوك وفينـا تنصـب iiالبيـع


وكـم قسرنـا مـن الأحـيـاء iiكلـهـم عنـد النِّهـاب وفضـل الـعـز iiيُتَّـبـع


ونحن يطعم عنـد القحـط مطعمنـا من الشـواء إذا لـم يؤنـسِ iiالقَـزعُ

بمـا تـرى النَّـاس تأتينـا iiسُرَاتُهـم مـن كـل أرض هويـاً ثـم iiنُصطنِـعُ

فننحـر الكـوم غبطـاً فـي أرومتنـا للنازليـن إذا مــا أُنـزلـوا iiشَبـعـوا

فـمـا تـرانـا إلــى حــيٍ iiنُفاخـرهـم إلا استفادوا وكانوا الرَّأس تُقتطعُ

فـمـن يُفاخـرنـا فــي ذاك iiنـعـرفَـه فيرجـع القـوم والأخـبـار تُستـمـعُ

إنَّــا أبيـنـا ولــم يـأبـى لـنـا أحـــدٌ إنَّــا كـذلـك عـنـد الفـخـرِ iiنـرتـفـعُ
‏(‏ج/ص‏:‏5/52‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏
وكان حسان بن ثابت غائباً فبعث إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏
قال‏:‏ فلمَّا انتهيت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقام شاعر القوم
فقال‏:‏ ما قال أعرضت في قوله، وقلت على نحو ما قال، فلمَّا فرغ الزبرقان
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لحسان بن ثابت‏:‏

‏(‏‏ ‏قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال ‏‏)‏‏.‏

فقال حسان‏:‏
إنَّ الـذَّوائـب مـــن فَـهــرٍ iiوأخـوتـهـم قـــد بـيَّـنـوا سـنــةً لـلـنَّــاس iiتـتـبــعُ

يرضـى بهـا كـل مـن كانـت iiسريرتُـهُ تقْـوى الإلــه وكــلَّ الخـيـر iiيصطـنـعُ

قــومٌ إذا حـاربــوا ضـــرَّوا iiعـدوهــم أو حاولوا النَّفع في أشياعهـم iiنفعـوا

سجـيـةُ تـلـك مـنـهـم غـيــر iiمـحْـدثـةٍ إنَّ الخـلائـق فاعـلـم شـرهــا iiالـبــدعُ

إنْ كـان فـي النَّـاس سبَّاقـون بعـدهـمُ فـكـل سـبْــقٍ لأدنـــى سبْـقـهـم iiتـبــعُ

لا يـرفـع الـنَّـاس مــا أوهــت iiأكفُّـهـمُ عنـد الدِّفـاع ولا يوهـون مــا iiرقـعـوا

إنْ سابقوا النَّـاس يومـاً فـاز iiسبْقهـمُ أو وازنـوا أهـل مجـدٍ بالنَّـدى iiمَنـعـوا

أعـفـةٌ ذكــرت فــي الـوحـي عفَّـتـهـم لا يَـطـمـعـون ولا يُـردِيـهــمُ iiطــمـــعُ

لا يبـخـلـون عـلــى جـــارٍ iiبفضـلـهـمُ ولا يمـسُّـهـم مــــن مـطـمــعٍ iiطــبــعُ

إذا نصـبـنـا لـحــيٍّ لـــم نـــدّب iiلـهــم كـمـا يــدّب إلــى الوحـشـيـة iiالـــذرعُ

نسمـوا إذا الـحـرب نالتـنـا iiمخالبـهـا إذا الزَّعانـف مـن أظفـارهـا iiخشـعـوا

لا يـفـخــرون إذا نــالـــوا iiعــدوهـــم وإن أصيـبـوا فـــلا خـــور ولا iiهـلــعُ

كأنهـم فـي الوغـى والـمـوت iiمكتَـنِـع أُســدٌ بحلـيـة فـــي أرسـاعـهـا iiفـــدعُ

خذْ منهـم مـا أتـوا عفـواً إذا iiغضبـوا ولا يكـن هـمُّـك الأمــر الــذي iiمنـعـوا

فـإن فــي حربـهـم فـاتـرك iiعداوتـهـم شـرَّاً يـخـاض علـيـه الـسُّـمُّ والسـلـعُ

أكْــرم بـقــوم رســـول الله iiشيعـتـهـمْ إذا تـفــاوتــت الأهـــــواء والـشّــيــعُ

أهــدى لـهـم مدحـتـي قـلـبٌ يـــؤازره فيـمـا أحـــب لـســان حـائــكٍ iiصـنــع

فـإنـهــم أفــضــل الأحــيــاء iiكـلِّــهــمُ إن جدَّ في النَّاس جدُّ القول أو شمعوا
‏(‏ج/ص‏:‏5/53‏)‏

وقال ابن هشام‏:‏
أخبرني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم أن الزبرقان لما قدم على
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وفد بني تميم قام فقال‏:‏

أتينـاك كيمَـا يعلـم النَّـاس iiفضلنـا إذا اختلفوا عند احتضار iiالمواسم

بأنَّا فروع النَّاس فـي كـل iiموطـنٍ وأن ليس في أرض الحجاز كدارمِ

وأنَّـا نـذود المعلمـيـن إذا iiانتـخـوا ونضـرب رأسَ الأصيـد iiالمتفـاقـمِ

وإنَّ لنـا المِرْبـاعُ فـي كــل iiغــارة تغيَّـر بنـجـد أو بــأرضِ الأعَـاجـم

قال‏:‏ فقام حسان فأجابه فقال‏:‏
هل المجد إلا السُّؤدد العود والنَّدى وجـاهُ الملـوكِ واحتـمـال العظـائـم

نصـرنـا وآويـنــا الـنَّـبـيّ مـحـمـداً على أنـف راضٍ مـن معـدٍ iiوراغـم

بـحــي حـريــد أصــلــه iiوثــــراؤه بجَابيـة الجـولان وســط الأعـاجـمِ

نصـرنـاه لـمـا حــلَّ بـيـن iiبيـوتـنـا بأسيافـنـا مــن كــل بــاغٍ iiوظـالــمِ

جعـلـنـا بـنـيـنـا دونــــه وبـنـاتـنـا وطِبْنـا لـه نفـسـاً بـفـيءِ iiالمغـانـمِ

ونحن ضربنا النَّاس حتَّى iiتتابعـوا علـى دينـه بالمرهفـات iiالـصَّـوارم

ونحن وَلدنـا مـن قريـش عظيمهـا ولدنـا نبـي الخيـر مــن آل iiهـاشـمِ

بـنـي دارمٍ لا تفـخـروا إنَّ iiفخـركـم يـعـود وبــالاً عـنـد ذكــر المـكـارمِ

هَبِلْـتُـم علـيـنـا تـفـخـرون iiوأنـتــمُ لنـا خـول مـن بيـن ظِـئْـرٍ iiوخــادمِ

فـإن كنـتـم جئـتـم لحـقـن iiدمائـكـم أموالكـم أن تُقسمـوا فـي iiالمقاسـم

فـــلا تجـعـلـوا لله نـــدَّاً وأسـلـمـوا ولا تلبـسـوا زيَّــاً كــزيِّ iiالأعـاجـم

قال ابن إسحاق‏:‏
فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله، قال الأقرع بن حابس‏:‏ وأبي إنَّ هذا
لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا،
ولأصواتهم أعلا من أصواتنا‏.‏قال‏:‏ فلما فرغ القوم أسلموا، وجوَّزهم
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأحسن جوائزهم، وكان عمرو بن الأهتم
قد خلفه القوم في رحالهم، وكان أصغرهم سناً‏.‏

فقال قيس بن عاصم - وكان يبغض عمرو بن الأهتم -‏:
‏ يا رسول الله إنه كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث، وأزرى به،
فأعطاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ما أعطى القوم‏.‏

adnan
12-12-2013, 09:19 PM
قال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيساً قال ذلك يهجوه‏:‏

ظللـت مفتـرش الهلبـاء iiتشتمـنـي عند الرَّسول فلم تصدقْ ولم تُصبِ


سدناكـم سـؤدداً رَهْـوَاً iiوسـؤددكـم بــادٍ نـواجـذه مَـقْـعٍ عـلـى الـذنــب
‏(‏ج/ص‏:‏5/54‏)‏

وقد روى الحافظ البيهقي‏:‏
من طريق يعقوب بن سفيان، حدَّثنا سليمان بن حرب، حدَّثنا حماد بن زيد
عن محمد بن الزبير الحنظلي قال‏:‏ قدم على رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم،
فقال لعمرو بن الاهتم‏:‏ ‏

( ‏أخبرني عن الزبرقان، فأما هذا فلست أسألك عنه‏ ‏‏)‏

وأراه كان قد عرف قيساً‏.‏
قال‏:‏ فقال‏:‏ مطاع في أذنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره‏.‏
فقال الزبرقان‏:‏ قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال‏.‏
قال‏:‏ فقال عمرو‏:‏ والله ما علمتك إلا زبر المروءة، ضيق العطن،
أحمق الأب، لئيم الخال‏.‏
ثمَّ قال‏:‏ يا رسول الله قد صدقت فيها جميعاً أرضاني، فقلت بأحسن
ما أعلم فيه، وأسخطني فقلت بأسوء ما أعلم‏.‏
قال‏:‏ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏

(‏‏ ‏إنَّ من البيان سحراً‏ )‏‏.‏

وهذا مرسل من هذا الوجه‏.‏

قال البيهقي‏:‏
وقد روي من وجه آخر موصولاً‏.‏
أنبأنا أبو جعفر كامل بن أحمد المستملي، ثنا محمد بن محمد بن محمد
بن أحمد بن عثمان البغدادي، ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن العلاف
ببغداد، حدَّثنا علي بن حرب الطَّائي، أنبأنا أبو سعد ابن الهيثم بن محفوظ
عن أبي المقوم يحيى بن يزيد الأنصاري، عن الحكم، عن مقسم، عن
ابن عبَّاس قال‏:‏ جلس إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قيس بن عاصم،
والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم التَّميميون، ففخر الزبرقان، فقال‏:‏
يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ
لهم بحقوقهم، وهذا يعلم ذلك - يعني‏:‏ عمرو بن الأهتم -‏.‏
قال عمرو بن الأهتم‏:‏ إنه لشديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع في أذنيه‏.‏
فقال الزبرقان‏:‏ والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن
يتكلم إلا الحسد‏.‏فقال عمرو بن الأهتم‏:‏ أنا أحسدك، فوالله إنك للئيم الخال،
حديث المال، أحمق الوالد، مضيع في العشيرة، والله يا رسول الله لقد
صدقت فيما قلت أولاً، وما كذبت فيما قلت آخراً، ولكني رجل إذا رضيت
قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، ولقد صدقت
في الأولى، والأخرى جميعاً‏.‏
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:

‏ ‏(‏‏ ‏إن من البيان لسحراً ‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد غريب جداً‏.‏
وقد ذكر الواقدي سبب قدومهم وهو أنه كانوا قد جهَّزوا السلاح على
خزاعة، فبعث إليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عيينة بن بدر في
خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري، فأسر منهم أحد عشر رجلاً،
وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبياً، فقدم رؤساءهم بسبب أسراهم‏.‏
ويقال‏:‏ قدم منهم تسعين - أو ثمانين - رجلاً في ذلك منهم‏:‏ عطارد
والزبرقان، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، والأقرع
بن حابس، ورباح بن الحارث، وعمرو بن الأهتم، فدخلوا المسجد وقد أذَّن
بلال الظهر والنَّاس ينتظرون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليخرج
إليهم فجعل هؤلاء فنادوه من وراء الحجرات فنزل فيهم ما نزل‏.‏

ثم ذكر الواقدي خطيبهم وشاعرهم وأنه عليه الصلاة والسلام أجازهم
على كل رجل اثني عشر أوقية ونشاً، إلا عمرو بن الأهتم، فإنما أعطي
خمس أواق لحداثة سنه والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/55‏)‏

قال ابن إسحاق‏:
‏ ونزل فيهم من القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏

{ ‏إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ *
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ }‏‏.
‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 4-5‏]‏‏.‏

قال ابن جرير‏:‏
حدَّثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي، حدَّثنا الفضل بن موسى
عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البراء،
في قوله‏:‏

‏{ ‏إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ‏ }‏‏.‏

قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏
يا محمد إن حمدي زين وذمي شين‏.‏
فقال‏:‏

‏(‏‏ ‏ذاك الله عز وجل‏ ‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد جيد متصل‏.‏
وقد روى عن الحسن البصري وقتادة مرسلاً عنهما،
وقد وقع تسمية هذا الرجل‏.‏

فقال الإمام أحمد‏:‏
حدثنا عفَّان، ثنا وهيب، ثنا موسى بن عقبة عن أبي سلمة،
عن عبد الرحمن، عن الأقرع بن حابس أنَّه نادى رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ يا محمد يا محمد‏.‏
وفي رواية‏:‏ يا رسول الله فلم يجبه‏.‏
فقال‏:‏ يا رسول الله إن حمدي لزين وإن ذمي لشين‏.‏
فقال‏:

‏ ‏(‏‏ ‏ذاك الله عز وجل ‏‏)‏

حديث في فضل بني تميم

قال البخاري‏:‏
حدَّثنا زهير بن حرب، حدَّثنا جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي
زرعة،
عن أبي هريرة قال‏:‏
لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يقولها فيهم‏:‏

adnan
12-12-2013, 09:20 PM
(‏‏ هم أشدّ أمتي على الدَّجال‏ )

‏ وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال‏:‏

(‏‏ ‏أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل ‏‏)

‏ وجاءت صدقاتهم فقال‏:‏ ‏

‏‏( ‏هذه صدقات قوم - أو قومي - ‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه مسلم عن زهير بن حرب به‏.‏وهذا الحديث يردُّ على قتادة
ما ذكره صاحب الحماسة وغيره من شعر من ذمهم حيث يقول‏:‏

تميمٌ بطرق اللؤم أهدى من القَطَا ولو سلكتْ طرق الرَّشـاد iiلضلَّـتِ


ولو أنَّ بوغوثاً علـى ظهـر قملـةٍ رأتــه تمـيـم مــن بـعـيـد iiلـولَّــتِ
‏(‏ج/ص‏:‏5/56‏)‏

وفد بني عبد القيس
ثمَّ قال البخاري‏:‏
بعد وفد بني تميم، باب وفد عبد القيس، حدَّثنا أبو إسحاق، حدَّثنا
أبو عامر العقدي، حدَّثنا قرة عن أبي حمزة قال‏:‏ قلت لابن عبَّاس‏:‏
إن لي جرة ينتبذ لي فيها فأشربه حلواً في جر، إن أكثرت منه فجالست
القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح‏؟‏‏.‏
فقال‏:‏ قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فقال‏

‏(‏‏ ‏مرحباً بالقوم غير خزايا ولا الندامى‏ ‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مُضر، وإنا لا نصل إليك
إلا في الشهر الحرام، فحدِّثنا بجميل من الأمر أن عملنا به دخلنا الجنة،
وندعوا به من وراءنا‏.‏
قال‏:

‏ ‏(‏‏ آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع‏:‏ الإيمان بالله هل تدرون
ما الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغانم الخمس،
وأنهاكم عن أربع‏:‏ ما ينتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت ‏‏)‏‏.‏

وهكذا وراه مسلم من حديث قرة بن خالد عن أبي حمزة،
وله طرق في الصحيحين عن أبي جمرة‏.‏

وقال أبوداود الطيالسي في مسنده‏:‏
حدثنا شعبة عن أبي حمزة سمعت ابن عبَّاس يقول‏:‏
إن وفد عبد القيس لما قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
قال‏:‏

‏(‏‏ ‏ممن القوم‏؟‏‏ ‏‏)‏

قالوا‏:‏ من ربيعة‏.‏
قال‏:‏

(‏‏ مرحبا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى‏ ‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ يا رسول الله إنَّا حيّ من ربيعة، وإنَّا نأتيك شقة بعيدة، وإنه يحول
بيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضر، وإنَّا لا نصل إليك إلا في شهر
الحرام، فمُرنا بأمر فصلْ ندعوا إليه من وراءنا وندخل به الجنَّة‏.‏
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏

(‏‏ ‏آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، آمركم‏:‏ بالإيمان بالله وحده،
أتدرون ما الإيمان بالله، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا
من المغانم الخمس، وأنهاكم عن أربع‏:‏ عن الدباء، والحنتم،
والنقير، والمزفت ‏‏)‏

- وربما قال‏:‏ ‏

(‏‏ والمقير )‏
(- فاحفظوهن، وادعوا إليهن من وراءكم )‏‏.‏

وقد أخرجاه صاحبا الصحيحين من حديث شعبة بنحوه‏.‏
وقد رواه مسلم من حديث سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة،
عن أبي نضرة، عن أبي سعيد بحديث قصتهم بمثل هذا السياق
وعنده أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأشج عبد القيس‏:

‏ ‏(‏‏ إن فيك لخلتين يحبهما الله عز وجل، الحلم، والأناة‏ )‏‏.‏

وفي رواية

‏( ‏يحبهما الله ورسوله ‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله تخلقتهما أم جبلني الله عليهما‏؟‏
فقال‏:‏ ‏

(‏‏ ‏جبلك الله عليهما‏ ‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/57‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:
‏ حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا مطر بن عبد الرحمن سمعت
هند بنت الوزاع أنها سمعت الوزاع يقول‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
والأشج المنذر بن عامر - أو عامر بن المنذر - ومعهم رجل مصاب،
فانتهوا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما رأوا رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم وثبوا من رواحلهم، فأتوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فقبَّلوا يده، ثم نزل الأشج فعقل راحلته، وأخرج عيبته ففتحها، فأخرج
ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما، ثم أتى رواحلهم فعقلها،
فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:

‏ ‏(‏‏ ‏يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله عز وجل ورسوله‏:
‏ الحلم والأناة‏ ‏‏)

فقال‏:‏ يا رسول الله أنا تخلقتهما، أو جبلني الله عليهما‏؟‏
فقال‏:‏ ‏

(‏‏ بل جبلك الله عليهما‏ )‏‏.‏

قال‏:‏ الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله عز وجل ورسوله‏.‏
فقال الوازع‏:‏ يا رسول الله إنَّ معي خالا لي مصاباً، فادع الله له‏.‏
فقال‏:‏ ‏

‏‏( ‏أين هو، آتيني به‏ ‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فصنعت مثل ما صنع الأشج ألبسته ثوبيه، وأتيته، فأخذ من ورائه
يرفعها حتَّى رأينا بياض إبطه، ثم ضرب بظهره فقال‏:‏ ‏

( ‏أخرج عدو الله ‏‏)

فولى وجهه وهو ينظر بنظر رجل صحيح‏.‏وروى الحافظ البيهقي
من طريق هود بن عبد الله بن سعد أنه سمع جده مزيدة العبدي قال‏:‏
بينما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يحدِّث أصحابه إذ قال لهم‏:‏ سيطلع
من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق، فقام عمر فتوجه نحوهم، فتلقى
ثلاثة عشر راكباً فقال‏:‏ من القوم‏؟‏فقالوا‏:‏ من بني عبد القيس‏
‏قال‏:‏ فما أقدمكم هذه البلاد التجارة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ أما إنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد ذكركم آنفاً، فقال خيراً، ثم مشوا
معه حتَّى أتوا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال عمر للقوم‏:‏ وهذا صاحبكم
الذي تريدون، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم، فمنهم من مشى، ومنهم
من هرول، ومنهم من سعى، حتَّى أتوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فأخذوا بيده فقبَّلوها، وتخلف الأشج في الركاب حتَّى أناخها، وجمع متاع
القوم، ثم جاء يمشي حتَّى أخذ بيد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبَّلها‏.‏
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏

(‏‏ ‏إنَّ فيك خلتين يحبهما الله ورسوله )‏

قال‏:‏ جبل جبلت، أم تخلقاً مني‏؟‏
قال‏:‏

‏(‏‏ ‏بل جبل ‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/58‏)‏

وقال ابن إسحاق‏:‏
وقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجارود بن عمرو بن حنش
أخو عبد القيس‏.‏

قال ابن هشام‏:
‏ وهو الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانياً‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏
وحدَّثني من لا أتهم عن الحسن قال‏:‏ فلما انتهى إلى رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم كلَّمه، فعرض عليه الإسلام، ودعاه إليه، ورغبه فيه،
فقال‏:‏ يا محمد إني كنت على دين، وإني تارك ديني لدينك،
أفتضمن لي ديني‏؟‏
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏

(‏‏ نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه ‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأسلم، وأسلم أصحابه، ثم سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحملان‏.‏
فقال‏:‏

‏(‏‏ والله ما عندي ما أحملكم عليه‏ )‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله إن بيننا وبين بلادنا ضوالاً من ضوال النَّاس أفنتبلغ
عليها إلى بلادنا‏؟‏
قال‏:‏

‏(‏‏ ‏لا إياك وإياها، فإنما تلك حرق النَّار‏ )‏‏.‏

قال‏:‏ فخرج الجارود راجعاً إلى قومه، وكان حسن الإسلام، صلباً على دينه
حتَّى هلك، وقد أدرك الردَّة، فلمَّا رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى
دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود،
فتشهَّد شهادة الحق، ودعا إلى الإسلام فقال‏:‏ أيها النَّاس إني أشهد
أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأكفِّر من لم يشهد‏.‏
وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعث العلاء بن الحضرمي قبل
فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم، فحسن إسلامه، ثم هلك بعد
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل ردة أهل البحرين، والعلاء عنده أميراً
لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على البحرين‏.‏

ولهذا روى البخاري من حديث إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة، عن
ابن عبَّاس قال‏:‏ أول جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
في مسجد عبد القيس بجوَّانا من البحرين‏.‏

وروى البخاري عن أم سلمة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخَّر
الركعتين بعد الظهر بسبب وفد عبد القيس
حتَّى صلاهما بعد العصر في بيتها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/59‏)‏

قلت‏:‏
لكن في سياق ابن عبَّاس ما يدل على أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل
فتح مكة، لقولهم‏:‏ وبيننا وبينك هذا الحي من مُضر لا نصل إليك
إلا في شهر حرام، والله أعلم‏.‏

البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله
في الله اخوكم مصطفى الحمد