عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-23-2013, 09:16 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

ثالثًا – و الصواب في ذلك - والله أعلم –
أن الركوع هنا على ظاهره ، و هو الانحناء خضوعًا ،
ومثله قوله تعالى :
} وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ {
أي : و هم منحنون خضوعًا لله تعالى ؛
إذ لا يعقل أن يؤتوا الزكاة و هم ساجدون .
و إذا كان ثبت بالسنة المطهرة ، و إجماع المسلمين أن داود - عليه السلام
قد سجد لله عز و جل ،
فإن سجوده هذا كان بعد انحنائه خضوعًا ،
وإلى هذا ذهب الحسن بن الفضل ،
فقال : خر من ركوعه. أي : سجد بعد أن كان راكعًا
و أما ما استدل به بعضهم على أن المراد به السجود بأن الخرور
هو السقوط و الهوي إلى الأرض ،
فقد ذكرنا فيما تقدم أن الخرور يقال للركوع و للسجود ،
والله تعالى أعلم .
جواب السؤال الثاني :
أما جواب السؤال الثاني فلفظ { الْكَافِرُونَ }
جمع :{ كافر } ،على وزن:{ فاعل } .
و لفظ { الكُفَّارِ } جمع :{ كَفَّار } بفتح الكاف ،
و كلاهما من قولهم :
كفر يكفر، فهو كافر، وكَفَّار.
والكفر في اللغة هو السَّتْرُ و التغطية .
و وُصِفَ الليل بالكافر ؛ لأنه يغطي كل شيء .
و وُصِفَ الزارع بالكافر ؛ لأنه يغطي البذر في الأرض .
و كُفْرُ النعمة و كُفْرانُها : تغطيتها بترك أداء شكرها .
قال أحدهم :
« لو جاز أن تعبد الشمس في دين الله ، لكنت أعبدها ؛
فإنها شمس ما ألقت يدًا في كافر، و لا وضعت يدًا إلا في شاكر » .
فالكفر يضادُّه الشكر ، و في اصطلاح الشرع يضادُّه الإيمان ،
و هو مصدر سماعي لكَفَر يكفُر.
و أصله : جَحْدُ نعمةَ المُنْعِم ،
و اشتقاقه من مادة الكَفْر ، بفتح الكاف ، وهو السَّتْرُ والتَّغطِيةُ ؛
لأن جاحد النعمة قد أخفى الاعتراف بها ؛
كما أن شاكرها أعلنها ؛
و لذلك صيغ له مصدر على وزن الشُّكر،
و قالوا أيضًا : كُفْرانٌ ، على وزن شُكْران .
ثم أطلق الكفر في القرآن الكريم على جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ،
بناء على أنه أشد صور كفر النعمة ؛ و ذلك أعظم الكفر .
و استعمال الكفران في جحود النعمة أكثر من استعمال الكفر .
و منه قول الله تعالى :
} فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ {
(الأنبياء: 94)
و استعمال الكفر في الدين أكثر من استعمال الكفران .
و منه قول الله تعالى :
} وَ مَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً {
( النساء: 136)
و قوله سبحانه وتعالى:
} وَ مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {
(المائدة: 44)
وأما الكُفُور فيستعمل فيهما جميعًا ؛
كما في قول الله تعالى :
} فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً {
(الإسراء: 99)
ثانيًا - جاء الأمر في سورة ( الكافرون )
من الله عز و جل لمحمد صلى الله عليه بندائهم بوصف الكافرين :
} قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {
لأنه لا يوجد لفظ أبشع ولا أشنع من هذا اللفظ ؛
لأنه صفة ذمٍّ عند جميع الخلق ؛
كما لا يوجد لفظ أبلغ في الكشف عن حقيقة هؤلاء ،
وأشدُّ وقعًا عليهم ، و إيلامًا لهم من لفظ الكافرين ،
فهو ثمرة للجهل ، وصفة ذَمٍّ ثابتة ؛
ولكونه كذلك لم يقع الخطاب به في القرآن الكريم في غير موضعين، هذا أحدهما.
والثاني قوله تعالى :
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ {
(التحريم: 7)
و الفرق بينهما : أن } الَّذِينَ كَفَرُوا {
يحتمل أن يكونوا قد آمنوا ثم كفروا .
و أما } الْكَافِرُونَ {
فيدل على أن الكفر صفة ملازمة لهم ثابتة فيهم ؛
سواء كانوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنها الحق ،
أو كانوا من المشركين عبدة الأوثان و الأصنام .
و أما لفظ { الكُفَّار }
فالتشديد فيه للمبالغة في الوصف ،
و يطلق في اصطلاح القرآن أكثر ما يطلق على المشركين ،
عبدة الأوثان و الأصنام ،
و قد يطلق و يراد به عموم الكافرين ؛
كما في قوله تعالى :
} مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ {
(الفتح: 29)
و قال تعالى :
} وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {
(البقرة: 276)
فأتى بصيغة المبالغة في الكافر و الآثم ،
وإن كان تعالى لا يحب الكافر ،
تنبيهًا على عظم أمر الربا ومخالفة الله عز و جل .
و قال تعالى :
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً
مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء
وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {
(المائدة: 57 )
، ففرق بين الكفار ، و أهل الكتاب وهم كفار .
و قال تعالى :
} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ {
(التوبة: 73 )
ففرق بين الكفار و المنافقين ،
و المنافقون كفار بلا ريب .
و بهذا الذي ذكرناه يظهر الفرق في استعمال القرآن الكريم
للفظ { الكافرين } ،
و لفظ { الذين كفروا } ،
و لفظ { الكفار } ،
و الله تعالى أعلم ،
و الحمد لله رب العالمين .

رد مع اقتباس