{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
( سورة المائدة الآية: 2 )
الحقيقة المؤشر الصحيح للمؤمنين أنه يجب أنْ يكونوا كالصف الواحد,
كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً, كالجسد الواحد إن اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ, قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ
إِذَا اشْتَكَى مِنْـهُ عُضـْوٌ تَدَاعَى لـَهُ سَائِـرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )
[متفق عليه, أخرجهما البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير في الصحيح]
سوف أعطيك مقياسًا واضحًا أيها الأخ الكريم, لك أخ مؤمن ألَمَّتْ به ملمّة
فهل تتألم؟ إن تألمت وربِّ الكعبة إنك لمؤمن، وإن لم تتألم فقد وضعتَ
نفسك شئت أم أبيْتَ في صفّ المنافقين
{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
( سورة آل عمران الآية: 120 )
لمجرد أن تفرح بملمّة ألمّت بمؤمن, بنازلة نزلت به, بمصيبة حلّت به,
لمجرد أن تفرح فلست مؤمناً، لقد وضعت بذلك نفسَك مع المنافقين
أمّا إذا رأيت أخاك المؤمن قد أكرمه الله بشيء من الدنيا, بمرتبة,
بوظيفة, بزواج, ببيت, بدعوة, ففرحت به، واغتبطت له، وأعنته
فأنت مؤمن وربّ الكعبة، أمَّا إذا حسدتَه، وأردتَ أن تبحث عن عيوبه،
وأردتَ أن تطعن فيه، وأردتَ أن تُزَهِّد الناس فيه لحسد يغلي في قلبك
والدليل قول الخبير العليم:
{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
( سورة آل عمران الآية: 120 )
المنافق يتألم أشد الألم إذا أصاب المؤمنَ خيرٌ- .
صار عميرٌ يزكِّي نفسَه بتعاليم الإسلام، ويشرق فؤاده بنور القرآن،
ويحيا أروع أيام حياته وأغناه
إنّ أحدكم بعد ما تاب إلى الله، واصطلح معه، وسار على طريق الإيمان،
إذا لم يقل: أنا أسعد إنسان في الأرض يكون في توبته خلل،
لأن ربنا عز وجل يكرم التائب بسعادة لا توصف, براحة لا سبيل
إلى وصفها، ويشعر المؤمن التائب أنه ملك, وأنه أسعد الناس.
ذات مرة قال لي أخ كلمة، وكان في الحج: واللهِ يا أستاذ, ليس في الأرض
مَن هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني, فأنت سعادتك بإيمانك, سعادتك بطاعتك
سعادتك بعملك الصالح, سعادتك بأخوانك, سعادتك بمجلس العلم, سعادتك بمسجدك
إذا كان لك هذا الانتماء فأنت مع المؤمنين، أمّا الذي يتبع غير سبيل
المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى، أنت مع المجموع, أنت عضو في جماعة,
أنت خلية في جسد, أنت غصن في شجرة، تتألم لألم أخوانك،
وتفرح لفرحهم، تسخِّر إمكاناتك في خدمتهم، أنت إذًا: مؤمن،
ما هو الخبر الذي كان ينتظره صفوان
وما هو الخبر الذي صدم به ولماذا عاد عمير إلى مكة ؟
لماذا كان صفوان في أروع أيام حياته؟ لأنه يتوقع بعد أيام أن يأتي الخبر
المفرح بأن محمَّداً قد قتل, كان صفوان صامتًا لا يتكلم، لقد اتفق صفوان
يا معشر قريش, أبْشِروا بنبأ عظيم يأتيكم قريبا
ثم إنه لمَّا طال الانتظار على صفوان بن أمية قالوا: أين هذا الخبر السار؟
فكان يخرج كل يوم إلى ظاهر مكة يسأل القوافل عن أخبار المدينة،
فلا يسمع شيئًا، ولا يصله شيء, ولمَّا طال الانتظار أخذ القلق يتسرب
إلى نفسه شيئاً فشيئاً، حتى غدا يتقلب على أحرّ من الجمر، لقد كفل له أولاده
وكفل له دَيْنَه، فماذا ينتظر؟ و طفق يسأل الركبان والقوافل
عن عمير بن وهب, فلا يجد عندهم جواباً يشفيه، إلا أنه مرة جاءه راكب
إنّ عميراً قد أسلم يا سيدي, صاحبك أسلم
فنزل عليه الخبرُ نزولَ الصاعقة إذْ كان يظن أن عمير بن وهب لا يسلم
ولو أسلم جميعُ مَن في الأرض, لكنَّ الآية الباهرة التي جاءته من الله،
والتي أكدّت له صدق النبي، وأنه رسول استفاد منها
فإذا أرَى الله عز وجل عبدًا آية فلا يركب رأسه .
أما عمير بن وهب فإنه ما كاد يتفقه في دينه، ويحفظ ما تيسّر له
من كلام ربه حتى جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام
يا رسول الله, لقد غبَرَ عليّ زمان أي مضى علي زمان، وأنا دائب على
إطفاء نور الله, شديد الأذى لمَن كان على دين الإسلام, وأنا أحب أنْ تأذن
لي أن أقدم على مكة لأدعو قريشاً إلى الله ورسوله فأُكفِّر عما سبق مني,
فرجع إلى مكة داعية, لقد خرج منها قاتلاً، فعاد داعية، وهذه أنوار
النبي صلى الله عليه وسلم, هذه عظمة الرسالة, وهذه عظمة النبوة,
لذلك على الإنسان ألاّ يعد حياته التي عاشها قبل أن يسلم،والوقت
الذي أمضاه قبل أن يتعرف إلى الله عز وجل، لا يعدّ هذا الوقت من حياته .
ذهب رجل إلى قرية، وزار مقبرتها، فلفت نظره شيء عجيب على الشواهد
هذا عاش ثلاث سنوات، وقد يكون طفلاً, وهذا أربع, وهذا خمس, وهذا ثماني سنوات
غير معقول، مقبرة بأكملها كلهم صغار، فسأل، فقيل له: هؤلاء أهل القرية
لا يعدُّون من حياتهم السنوات التي سبقت إيمانهم، فالواحد منا متى تعرَّف إلى الله؟
في العشرين، والآن عمره أربعون سنة, كم مضى مِن عمرك يا أخي؟
أنا مضى مِن عمري أربعون سنة لا عشرون, الباقي لا دخل لها، الباقي
كنتُ لا أعرف عن ديني خلاله شيئًا، فعمر الإنسان الحقيقي
هو العمر الذي تعرّف إلى الله فيه .
أَذِنَ النبي عليه الصلاة و السلام لعمير، فوافى مكة، وأول بيت طرقه بيتُ
شريكه بيت صفوان بن أمية, فدهش صفوان
يا صفوان, إنك لسيد من سادات مكة، وعاقل من عقلاء قريش، أفَتَرَى
أن هذا الذي أنتم عليه من عبادة الأصنام، والذبح لها، أيصح في العقل
أن يكون ديناً؟ أين عقلك؟ هل هذا دين؟ حجر تنحتونه أنتم وتعبدونه،
وتقدمون له الهدي! فليس هذا معقولاً
لقد صار عمير عاقلاً، انظر فالإسلام يفتح الذهن, وينوِّر النفس, ويوقظ الفكر
أمّا أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله،
-فالجماعة رحمة، وإذا كان الإنسان مع الجماعة، ويجد فلانًا و فلانًا و فلانًا
وصديقه، وجاره، كلهم يصلون، وعابدون الله عز وجل, ويحضرون
مجالس العلم, ويتفقهون، حينئذٍ يأنس بهم، أمّا إذا انزوى الإنسانُ وحده،