ونعود إلى آية سورة الكهف :
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103}
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }
نلاحظ استخدام كلمة { ضلّ } مع كلمة { سَعْيُهُمْ } ولم يقل ضل عملهم
لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو ،
وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ،
والإحسان هو الإتقان وليس العمل العادي ،
في اللغة لدينا : فعل وعمل وصنع .
أما الفعل : فقد تقال للجماد ( نقول هذا فعل الرياح )
والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع ،
أما الصنع : فهو أدقّ وهو من الصَّنعة
{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }
والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل بإتقان .
إذن آية سورة الكهف جاء فيها ضلال وسعي وصُنع
لذا استوجب أن يؤتى بكلمة الأخسرين أعمالاً
ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسران للعمل
إلا في هذه الآية . ولأن هذه الآية هي الوحيدة التي وقعت في سياق الأعمال
{ نَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }
و{ بِالْأَخْسَرِينَ } : اسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران ،
يوجد خاسرون كُثُر والأخسرين بعضهم أخسر من بعض
أي : التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم .
س- ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا
وفعل تسطع وتستطع في سورة الكهف ؟
{ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً }
زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث
وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى.
والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه
لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب
لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب.
فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد
ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له،
وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه
فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث .
أما عدم الحذف في قوله تعالى :
{ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }
{ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }
لأن المقام في الآية الأولى مقام شرح وإيضاح وتبيين فلم يحذف من الفعل
أما في الآية الثانية : فهي في مقام مفارقة ولم يتكلم بعدها الخضر بكلمة
وفارق موسى عليه السلام فاقتضى الحذف من الفعل .