الحمد لله، أرشَدَ النفوس إلى هُداها، وحذَّرها من رداها،
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا 
[الشمس:9، 10]،
أحمده سبحانه و أشكره على نِعمٍ لا تُحصَى و آلاء لا تتناهَى ،
و أشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له رضينا به ربًّا و إلهًا ،
و أشهد أنّ سيدنا و نبينا محمدًا عبد الله و رسوله
أعلى الخلقِ منزلة و أعظمُهم عند الله جاهًا ،
صلى الله و سلّم و بارك عليه و على آله و أصحابه ما طلعت شمس بضحاها ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين ، و سلّم تسليمًا كثيرًا .
أمّــــا بعـــد :
أيّها المسلمون ، و الحديثُ عن الشهادةِ الرمضانية و فُرصِ التغيير و الإصلاح ،
فإنّ شهرَ رمضان موسِم عظيمٌ من مواسم الخير و زمَنٌ شريف من أزمِنَة النفحات ،
يغتَنِمه الأتقياء الصالحون للاستزَادَة من صالح العمل ،
و يُلقي بظلِّه الظليل على العصاةِ الغافلين و المقصّرين فيتذكّرون و يندَمون و يتوبون ،
فالسعيدُ السعيد من كان شهرُه مجدِّدًا للعزم و الطاعةِ
و حافزًا للتمسّك بحبل الله و فرصةً للتزوّد بزاد التقوى ،
حاديه في ذلك و سائقُه همّةٌ عالية و نفسٌ أبيّة لا ترضى بالدّون من العزمِ و العمَل ،
يقول ابن القيم يرحمه الله :
" إذا طلع غَيمُ الهمّة في ليل البَطالة و أردَفه نور العزيمةِ
أشرقت أرضُ القلب بنور ربها " .
على أنّه ينبغي ـ أيّها المسلمون ـ لذوي الهِمَم العالية و طلاّب الكمالاتِ
أن يعرفوا الطبيعةَ البشرية و الضَعفَ الإنساني ،
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا *يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا 
[النساء:27، 28]،
و في مثل هذا يقول بعض أهلِ العلم و الحكمة :
إنّ مِنَ الخطأ والخَطَل أن ينزعَ الرجل إلى خصلَةٍ شريفةٍ من الخير ،
حتى إذا شعَر بالعجز عن بلوغِ غايتِها انصرَف عنها و التحَق بالطائفة الكسولةِ
التي ليس لها همّة في هذه الخَصلة و لا نصيبٌ ، و لكن الطريقَ الصحيح
و نهجَ الحكمة و منهجَ السعادة أن يذهبَ في همته إلى الغاياتِ البعيدة
ثم يسعَى لها سعيَها و لا يقِف دونَ النهاية إلا حيث ينفَد جهده و يستفرِغ وسعَه .
ألا فاتقوا الله يرحِمكم الله ،
و اعلموا أنّ إدراكَ هذا الشهر و الإحسان فيه نعمةٌ عظيمة و فضلٌ من الله كبير ،
لا يحظى به و لا يوفَّق إلا مَن منَّ الله عليه بجودِه و إحسانه
و فتَحَ عليه أبوابَ الخيرات ،
فتنافسوا ـ رحمكم الله ـ في الطاعاتِ ، و ازدادوا من الصالحات ،
و جِدّوا و تحرَّوا ليلةَ القدر ، و تعرَّضوا لنفحاتِ ربِّكم .
تقبّل الله منا و منكم الصيامَ و القيام و سائرَ الطاعات ، إنه سميع مجيب .