وَ قَالَالشَّوْكَانِيُّفِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْعُمُومَيْنِ مَا لَفْظُهُ
فَتَخْصِيصُ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ بِالْآخَرِ تَحَكُّمٌ ، وَ كَذَلِكَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ
مَعَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ ،
وَ مَعَ اشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّهْيِ أَوِ النَّفْيِ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ ،
وَ لَكِنَّهُ إِذَا وَرَدَ مَا يَقْضِي بِتَخْصِيصِ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ عُمِلَ عَلَيْهِ ،
وَ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُخْتَصٌّ بِهِ ،
بَلْ ثَبَتَ عِنْدَأَحْمَدَوَ غَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا
قَالَتْ لَهُأُمُّ سَلَمَةَأَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا ؟
قَالَ : لَا .
وَ لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إِلَّا جَوَازُ قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ
لَا جَوَازُ جَمِيعِ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ ، نَعَمْ حَدِيثُيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِالَّذِي سَيَأْتِي
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ :
مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ؟
فَقَالَا : قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا
فَقَالَ : إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ - ص 218 - أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ
فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ
. وَ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الصُّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ
مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْكَرَاهَةِ ، وَ كَذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ .
وَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ فِعْلَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ
وَ تَرْكِهَا لَا يَخْلُو عِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهَا مِنْ إِشْكَالٍ وَ الْمَقَامُ عِنْدِي مِنَ الْمَضَائِقِ
وَ الْأَوْلَى لِلْمُتَوَرِّعِ تَرْكُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ ، انْتَهَى كَلَامُالشَّوْكَانِيِّ .
قَوْلُهُ : ( قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ )
قَالَ الْحَافِظُ : صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إِذَا خَالَفَ وَجَلَسَ لَا يُشْرَعُ التَّدَارُكُ ،
وَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِأَبِي ذَرٍّأَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :
أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ ؟
قَالَ : لَا ،
قَالَ : قُمْ فَارْكَعْهُمَا
. تَرْجَمَ عَلَيْهِابْنُ حِبَّانَأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ ، قَالَ الْحَافِظُ :
وَ مِثْلُهُ قِصَّةُسُلَيْكٍكَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ ، انْتَهَى .
قَالَالْقَارِيُّفِي الْمِرْقَاةِ : وَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَّامِّ مِنَ الْجُلُوسِ أَوَّلًا ،
ثُمَّ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ ثَانِيًا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : وَ يُبْطِلُهُ حَدِيثُ الْبَابِ .
قَوْلُهُ : ( وَ فِي الْبَابِ عَنْجَابِرٍوَ أَبِي أُمَامَةَوَ أَبِي هُرَيْرَةَوَ أَبِي ذَرٍّوَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ)
أَمَّا حَدِيثُجَابِرٍفَأَخْرَجَهُالْبُخَارِيُّوَ مُسْلِمٌبِلَفْظِ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
أَمَرَسُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّلَمَّا أَتَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ النَّبِيُّ يَخْطُبُ
فَقَعَدَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ : أَنْ يُصَلِّيَهُمَا .
وَ أَخْرَجَمُسْلِمٌعَنْجَابِرٍأَيْضًاأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
أَمَرَهُ لَمَّا أَتَى الْمَسْجِدَ بِثَمَنِ جَمَلِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ
. أَمَّا حَدِيثُأَبِي أُمَامَةَفَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ .
وَ أَمَّا حَدِيثُأَبِي هُرَيْرَةَفَأَخْرَجَهُابْنُ عَدِيٍّكَمَا فِي التَّلْخِيصِ .
وَ أَمَّا حَدِيثُأَبِي ذَرٍّفَأَخْرَجَهُابْنُ حِبَّانَفِي صَحِيحِهِ وَ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ .
وَ أَمَّا حَدِيثُكَعْبِ بْنِ مَالِكٍفَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
بِلَفْظِ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى
فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُأَبِي قَتَادَةَحَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ
( وَ رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ - ص 219 - جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ )
فَذَكَرَ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بَدَلَ أَبِي قَتَادَةَ
وَ خَالَفَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ .