قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَ الرُّخْصَةِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ .
وَ الثَّانِي حَمْلُ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ عَلَى الشِّعْرِ الْحَسَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ،
كَهِجَاءِحَسَّانَلِلْمُشْرِكِينَ وَ مَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ غَيْرِ ذَلِكَ .
وَ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّفَاخُرِ وَ الْهِجَاءِ وَ نَحْوِ ذَلِكَ .
ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِالْعِرَاقِيُّفِي شَرْحِالتِّرْمِذِيِّ .
وَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى
تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَ الْمُبْطِلِينَ ، الْمَأْذُونُ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ ،
وَ قِيلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُدُ غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مَنْ فِيهِ ، انْتَهَى .
وَ قَالَابْنُ الْعَرَبِيِّ : لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ فِي مَدْحِ الدِّينِ
وَ إِقَامَةِ الشَّرْعِ ، وَ إِنْ كَانَ فِيهِ الْخَمْرُ مَمْدُوحَةً بِصِفَاتِهَا الْخَبِيثَةِ مِنْ طِيبِ رَائِحَةٍ ،
وَ حُسْنِ لَوْنٍ ، وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ مَنْ يَعْرِفُهَا ،
وَ قَدْ مَدَحَ فِيهِكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ :
)بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُول(
إِلَى قَوْلِهِ فِي صِفَةِ رِيقِهَا :
)كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُول(
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَ هَذِهِ قَصِيدَةٌ قَدْ رَوَيْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ،
وَ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ وَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ عَنْ كَعْبٍ ،
وَ إِنْشَادِهِ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَلَيْسَ فِيهَا مَدْحُ الْخَمْرِ ،
وَ إِنَّمَا فِيهِ مَدْحُ رِيقِهَا وَ تَشْبِيهِهِ بِالرَّاحِ ، انْتَهَى .