| 
 
 مائة دينار فأبيت ، ثم عشرة فأبيت ، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا ،  
 يشتري بنصفه إربة يطلبها ، وبالنصف الأخر شاة يحلبها ،  
 فيسقى الناس ويكتسب ، ويطعم أولاده ويحتسب .
 
 قال الخرسانى : لا أفعل ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ،
 
 وحسبنا الله ونعم الوكيل .
 
 فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ،
 
 فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال .
 
 يقول ابن جرير : فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ منزله ،
 
 فنبش الأرض وأخرج الدنانير  
 وقال : خذ مالك ، وأسأل الله أن يعفو عنى ، ويرزقني من فضله . 
 فأخذها الخرسانى وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ،  
 قال : يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف دينار ،  
 وقال لي : أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك ،  
 فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق ،  
 والله ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى ههنا رجلا أولى بها منك ،  
 فخذه بارك الله لك فيه ، وجزاك خيرا على أمانتك ،  
 وصبرك على فقرك ، ثم ذهب وترك المال .
 
 فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول :
 
 رحم الله صاحب المال في قبره ، وبارك الله في ولده .
 
 قال ابن جرير : فوليت خلف الخراساني فلحقني أبو غياث وردني ،
 
 فقال لي إجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم ،  
 سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول :  
 سمعت مالكا يقول : سمعت نافعا يقول :  
 عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
 لعمر وعلي رضي الله عنهما ، إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس ، 
 فاقبلاها ولا ترداها ، فترداها على الله عز وجل ، وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر . 
 
 
 
 
 ثم قال : يا لبابة ، يا فلانة ، يا فلانة ، وصاح ببناته والأختين وزوجته وأمها ،
 
 
 وقعد وأقعدني ، فصرنا عشرة ، فحل الكيس وقال : أبسطوا حجوركم فبسطت حجري ، 
 وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه ، فمدوا أيديهم ، وأقبل يعد دينارا دينارا ،  
 حتى إذا بلغ العاشر إلي ، قال : ولك دينار ، حتى فرغ من الكيس ، 
 وكان فيه ألف دينار ، فأعطانى مائة دينار .
 
 يقول ابن جرير الطبرى : فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى بالمائة دينار ،
 
 فلما أردت الخروج قال لي : يا فتى إنك لمبارك ، وما رأيت هذا المال قط ولا أملته ،  
 وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به ،  
 واعلم أني كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالى ،  
 ثم أخلعه حتى تصلى بناتي واحدة واحدة ، ثم أخرج للعمل إلى ما بين الظهر والعصر ،  
 ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز ، 
 ثم أخلع ثيابى لبناتى فيصلين فيه الظهر والعصر ، وهكذا فى المغرب والعشاء الآخرة ، 
 وما كنا نتصور أن نرى هذه الدنانير ، فنفعهن الله بما أخذن ، ونفعني وإياك بما أخذنا ، 
 ورحم صاحب المال في قبره ، وأضعف الثواب لولد ، وشكر الله له .
 
 
 
 
 
 
 
 قال ابن جرير : فودعته ، وأخذت مائة دينار ، كتبت العلم بها سنتين ،
 
 
 أتقوت بها وأشتري منها الورق وأسافر وأعطي الأجرة ،  
 وبعد ستة عشر عاما ذهبت إلى مكة ، وسألت عن الشيخ ، فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ، 
 وماتت زوجته وأمها والأختان ، ولم يبق إلا البنات ،  
 فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بملوك وأمراء ،  
 وذلك لما انتشر خبر صلاح والدهن فى الآفاق ، فكنت أنزل على أزواجهن ،  
 فيأنسون بي ويكرموني حتى توفاهن الله ، فبارك الله لهم فيما صاروا إليه .
 
 يقول تعالى :
 
 { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر  
 ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب  
 ومن يتوكل على الله فهو حسبه } 
 [الطلاق: 2/3] . 
 
 
 
 
 
 
 |